وبانقضاء دولة الخلفاء الراشدين، وتولي زمام الحكم من هم أقل منهم مرتبة ظهر أثر ذلك في بعض قضايا أصول الدين مثلما أثاره الخوارج. ولما كان ظهورهم في أواخر حكم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مرتبطًا بالخلافة أو الأمانة الكبرى فقد تبعه بدع الأحكام والأعمال والأسماء.
ثم ظهر الملك على يد معاوية، ثم الإمارة إلى ابنه يزيد وانشق المسلمون على أثر مقتل "الحسين بن علي" بالعراق وفتنة الحرة (سنة ٣٧ هـ) بالمدينة وقيام "عبد الله بن الزبير" بمكة في وجه بني أمية و"المختار بن أبي عبيد" وغيره من الشيعة بالعراق.
وعلى أثر هذه الأحداث الجسام، برز الخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة، فقد قام بعض الصحابة آنذاك بالرد على هذه البدع والوقوف في وجهها وهم على سبيل المثال: عبد الله بن عباس (٦٨ هـ) وعبد الله بن عمر (٧٣ هـ) ، وجابر بن عبد الله (٧٨ هـ) وأبو سعيد الخدري (٩٤ هـ) ، وغيرهم.
ويضرب "ابن تيمية" مثلاً على ذلك بأن القدرية لم يجرؤوا على الكلام في الذات أو الصفات الإلهية إلا في أواخر صغار التابعين، أو في أواخر الدولة الأموية، وكانوا قبل ذلك يقتصرون على الكلام في الأحكام والوعد والوعيد.
ويتضح مما سبق أن الحياة الدينية تأثرت في بداية العصر العباسي بعاملين: أحدهما ظهور سلطان الموالي من غير العرب لا سيما العناصر الفارسية وانحسار الأمر عن ولاية العرب، والعامل الثاني، وهو ترجمة كتب الفرس والروم والهند.
ومما يساعد على قوة تأثير هذين العاملين أن صحابة الرسول صلوات الله عليه كانوا قد ماتوا عند انتهاء خلافة الراشدين فيما عدا القليل، وكذلك الحال بالنسبة للتابعين إذ مات أغلبهم في زمن إمارة ابن الزبير.
أما تابعو التابعين فقد انقضى عصرهم في أواخر الدولة الأموية ولهذا لم تجد التيارات الجديدة التي تسللت إلى المسلمين من يقف في وجهها لصدها مثلما فعل الخلفاء الراشدون والصحابة في عصرهم من قبل.