للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نهي (١) . وقديمًا عبر "الجنيد" عن عجز العقل عن إدراك الربوبية وعاب على المتكلمين منهجهم بقوله: (نفي العيب حيث يستحيل العيب، عيب) (٢) ، ولا ينكر علماء الحديث النظر لزيادة البحث وإنما أنكروا طريقة أهل الكلام إذ أسسوا طريقتهم على وجوب النظر أولا المؤدي إلى معرفة الباري عز وجل، بينما لم يثبت اتباع هذه الطريقة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين بعده (٣) ، وقد علمنا من سيرته أنه لم يدع أحداً إلى الاستدلال بالأعراض والجواهر وحدوث الأجسام كما يفعل أهل الكلام (٤) بل إن دراسة منهج الأنبياء والرسل يجعلنا ندرك أنهم لم يشتغلوا بالنظر وتلقين أتباعهم والمصدقين بهم الأدلة التي هي أصول الإسلام، ولكنهم حرصوا على تعليم الشرائع والآداب. وينبغي التمييز بين لفظي التقليد والاتباع، فالتقليد هو قبول قول الغير بلا حجة، أما الاتباع فإنه السير على منهاج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد قيام الأدلة على صدق نبوته المنقولة إلينا بواسطة أهل الإتقان والثقات من الرواة ما لا يعد كثرة من المعجزات والبراهين والدلالات. وأهملوا تعليمهم الدلائل وتعليمهم كيفية حل الشبه ولو فعلوا لنقل إلينا تصانيفهم كما نقل إلينا كتب الفلاسفة والمتكلمين من علماء المسلمين (٥) ، ويذهب "ابن الوزير اليماني " إلى أبعد من هذا فيرى أنه لم ينقل أن اثنين اختلفا في شيء قط، ولا كذب أحدهما الآخر ولا غلطه ولا خطأه ولو كانوا اكتسبوا ذلك بالنظر لقضت العادة باختلافهم كما اشتد الاختلاف بين الفلاسفة والمتكلمين، فإن كثيرًا منهم قد تفردوا بمقالات حتى قيل اجتماع العلماء في النظريات محال. ويضيف إلى ذلك دليلا آخر، هو انقطاع الأذكياء في تحصيل علم الكلام، دقيقه وجليله، مستفيدًا بما انتهى إليه الرازي معترفًا بالقصور عن بلوغ غايته ومنتهاه، فقرر في وصيته التي مات عليها (ولقد اجتزت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن


(١) السيوطي: صون المنطق ص ١٨٠.
(٢) السيوطي: صون المنطق ص ١٧٠.
(٣) ابن خلدون المقدمة.
(٤) صون المنطق ج ١ ص ٢٢٣.
(٥) صون المنطق.

<<  <   >  >>