للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا من قبل، إن الإنسان مفطور على معرفة ربه عز وجل والإقرار بوجوده، ونستطيع القول هنا أيضًا (على سبيل اليقين، لا على سبيل الظن، بأن صحائف الفكر البشري لم تشهد إنسانًا بغير عقيدة في إله) .

ولكن يأتي الاختلاف بين البشر في التصور نفسه لا في الاختلاف في أساس الاعتقاد بوجود الله (١) .

خذ مثلاً فلسفة أرسطو التي تصف المبدأ الأول بواجب الوجود، ولكنها ذاتًا مجردًا من كل وصف، ولا دخل له في أي شأن من شؤون الكون، فسدت بذلك باب الدعاء والالتجاء بل قطعت كل خيط من الأمل والرجاء لدى بني آدم، إذ لا جدوى من محاولة إيجاد أية علاقة بينهم وبين (المبدأ الأول) كما تصوره هذه الفلسفة.

وعلى العكس خلقت عقيدة العرب الجاهلية كل صفة من صفات الإله على أشخاص من خلقه، كالقدرة على الإحياء، والرزق، والعلم.. الخ.. فقطعت بذلك أيضًا الرجاء في سؤال الإله الواحد والالتجاء إليه ثم جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. مذكرة الإنسان بصفات الله أي بعلمه وقدرته وسائر صفاته، وأسمائه الحسنى.

فهو سبحانه الحي القيوم، يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف عنه السوء وهو أقرب إليه من حبل الوريد، وأنه عز وجل معه بعلمه أينما كان حيث يطمئن قلبه، ويجعله شديد الثقة بالعون الإلهي، إذ يؤمن أن لا ملجأ منه إلا إليه، فيصبر عند البلاء ويشكر عند الرخاء: يستنصره فينصره ويسأله فيعطيه، يستسقيه فيسقيه، ويتقرب إليه فيقربه.

وهكذا تأتي الأسماء والصفات الإلهية منبهة بني آدم إلى حاجتهم الدائمة إلى خالقهم ورازقهم لكي لا يتوهموا الاستقلال والغنى بذواتهم عن مولاهم، وتفتح أمامهم باب الأمل في حياة أفضل دائمًا سواء في الدنيا أو الآخرة.

فمعرفة العبد لربه ذاتًا وصفاتًا تجعله يدرك أن الله يراقبه في حركاته وسكناته في سره وعلنه، فيخشاه ويتقيه ويلجأ إليه عابدًا داعيًا متضرعًا.


(١) د. زكي نجيب محمود: الله وحياة الإنسان في فكره وسلوكه ص ١٨، ١٩ مجلة الهلال جمادى الأولى سنة ١٣٩٩ هـ إبريل ١٩٧٩ م.

<<  <   >  >>