للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبوسعك الإلمام بطرف من عقائد أهل الملل والنحل الأخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية، فلا تعثر في تصوراتها الإلهية، بمثل تصور المسلم لربه عز وجل مما أدى إلى الافتقار إلى الألوهية، بالنسبة إلى الإنسان الغربي، وإحلال العلم والإنسان مؤلهين، محلها على الأرض، وليتدبر بعد ذلك ما أوقعته كوارث القرن العشرين المتلاحقة بتلك الألوهية الجديدة للعلم والإنسان من دمار.

والأسوأ من ذلك انتقال العدوى إلينا معشر المسلمين بعد ضعف عقيدة التوحيد وهي الحصن الذي نلوذ به لرفع هذه البلوى، بعد أن تسرب إلينا انحراف الغرب فأصبح خضوعنا لحواسنا يكاد يكون تامًّا مثلهم، وكادت الغالبية منا تفقد القدرة على تخطي الظواهر ببصائرها وعقولها إلى الله عز وجل خالق الكون ومدبره (١) .

وعلى المستوى الحضاري، قامت الحضارة الإسلامية على عقيدة التوحيد، فظلت متماسكة عندما وازن المسلمون بين أطرافها، أي بين الإيمان بالله غيبًا ذاتًا وصفاتًا - وبين إعداد العدة بالأساليب العسكرية المعروفة آنذاك، فاجتاح المسلمون الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية بفضل إيمانهم بالله تعالى على هذه الصورة، إذ أيقنوا أنه ناصرهم، فلم ترهبهم قوى الأعداء الظاهرة الملموسة ولم يخفهم الفارق المشاهد في القوى والعتاد والعدد، لأنهم أيقنوا أن الله من وراء الغيب يؤيدهم ويشد أزرهم.

(٢) العدل:

والمقصود بالأصل الثاني وهو العدل، إرجاع كل عمل إلى الإنسان لتفسير ظهور الشر ونسبته إلى الإنسان فقط. وإذا كان المسلمون كافة يؤمنون بعدل الله سبحانه وتعالى، فإن المعتزلة فرعوا الكلام عن هذا الأصل، فأدى بهم إلى إيجاب الصلاح والأصلح على الله تعالى، وانبثقت فكرتهم عن الحسن والقُبْح العقليين وأنهما ذاتيان عقليان كما تفرعت أيضًا مسألة خلق أفعال العباد قالوا (يمتنع عليه إرادة الشر والمعاصي والقبائح) وقالوا: (يريد ما لا يقع، ويقع ما لا يريد) فزعموا أنه تعالى أراد


(١) الندوي: دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - معجزة من معجزات السمو ودليل من دلائل النبوة مجلة البعث الإسلامي للكهنوت [[كذا في المطبوع، والصواب: "لكهنو" وهي بلدة معروفة في الهند]] . (الهند) ص ١٦، ١٧ جمادى الأولى ١٣٩٦ هـ - مايو ١٩٧٦ م.

<<  <   >  >>