الفرق والمذاهب عرضها والتوسع في شرحها، بالرغم من ذلك كانت الغالبية العظمى من المسلمين يتبعون علماء السنة والحديث في العقيدة المتلقاة بالقبول.
وهنا لنا ملاحظتان:
الأولى: أن الاكتفاء بالاطلاع على مؤلفات الفرق يعطي انطباعا بأن هذه المسائل كانت الشغل الشاغل للمسلمين كافة، وهذا لم يحدث إلا بعد أن فرض المأمون القول بخلق القرآن - وفي هذه القضية وحدها - وفيما عدا هذا فقد كانت الأمة الإسلامية تمضي قدمًا في بناء حضارة زاهرة بعلومها وآدابها وفنونها ونظمها في السياسة والاقتصاد والاجتماع - وجهود علماء المسلمين في فروع العلوم المختلفة أكثر من أن تذكر في هذا الموضع.
الثانية: أن العلماء المهتمين بالحديث والسنة يمثلون الأغلبية ويظهر بجانبهم أصحاب الكلام كقلة قليلة لا تعبر إلا عن نفسها وبضعة أفراد يتأثرون بهم ويقولون بأقوالهم وكانوا على سبيل التحديد كالجعد بن درهم وجهم بن صفوان.
ويذكر لنا ابن قتيبة أن عقيدة السلف الصالح كانت هي عقيدة العلماء المبرزين المتقدمين والعباد المجتهدين الذين لا يجارون ولا يبلغ شأوهم، مثل: سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وشعبة والليث بن سعد وعلماء الأمصار كإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وداود الطائي وأحمد بن حنبل وبشر الحافي وأمثال هؤلاء ممن قرب من زمانه. ثم يستطرد قائلاً:(فأما المستقدمين فأكثر من أن يبلغهم الإحصاء ويحوزهم العدد)(١) .
كانت إذن الآراء الشاذة التي أظهرها جهم بن صفوان كالبثور في الجسم كبداية علامات المرض بعد أن كان صحيحًا معافًى به من المناعة ما يقاوم به المرض.
(لم يظهر جهم وأصحاب جهم في زمن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبار التابعين فيروى عنهم فيها أثر منصوص، ولو كانوا بين أظهرهم مظهرين آراءهم لقتلوا، كما همَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقتل صبيغ إذ تكلف في السؤال عن