للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتشابه أو كما قتل علي رضي الله عنه الزنادقة، التي ظهرت في عصره، ولقتلوا كما قتل أهل الردة) (١) .

ويرى الدارمي أن آراء جهم والمريسي بمثابة الردة، لأن القول بأن القرآن مخلوق يضاهي ما قاله الوليد بن المغيرة المخزومي (إن هذا إلا قول البشر) والنضر ابن الحارث قال: (لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) أي كما قال جهم والمريسي سواء، لا فرق بينهما في اللفظ والمعنى، إن هذا إلا مخلوق، فأنكر عليهم قولهم، وكأن نور النبوة قد بدد ظلام العصر الجاهلي وعقائده الباطلة، ولكن أقوال الجاهلية عادت للظهور مرة أخرى في عصر جهم ثم المريسي ونظرائهم (٢) .

وأمام هذه الموجة التي بدأت تهب على عقائد المسلمين، رأى علماء الحديث أن واجباتهم تقتضي الوقوف في وجهها وحماية المسلمين منها، واندفعوا بنية أداء ما أوجبه الله عليهم. يقول ابن قتيبة (كما رأيت إعراض أهل النظر عن الكلام في هذا الشأن منذ وقع، وتركهم تلقيه بالدواء حين بدأ.. إلى أن استحكم أساسه ... لم أر لنفسي عذرًا في ترك ما أوجبه الله علي بما وهب من فضل المعرفة في أمر استفحل بأن قصر مقصر، فتكلفت بمبلغ علمي ومقدار طاقتي ما رجوت أن يقضي بعض الحق عني، لعل الله ينفع به، فإنه بما شاء نفع) (٣) ، ولكنه كان حريصًا في منهج رده على المخالفين توضيح الأسرار اللغوية التي جهلوها فحادت بهم عن التفسير الصحيح للكلمات والآيات فأخذ يذكر ما تأولته الجهمية في الكتاب والحديث ليعلم المسلمون أن الحق مستغن عن الحيل، ولهذا لم يتعد في أكثر الرد عليهم طريق التفسير والشرح.

وقال بعد توضيح منهجه هذا: (فأما الكلام فليس من شأننا ولا أرى أكثر من


(١) نقض الدارمي على المريسي ص ٣٤٩.
(٢) نفس المصدر ص ٤٦٥، ٤٦٩.
(٣) ابن قتيبة: الاختلاف في اللفظ ص ٢٢٥.

<<  <   >  >>