للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقرّبي، وأوحى إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوُجِدَ إلى هذه أقربَ بشبرٍ فغُفِرَ له] (١).

وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. يعني لم يزل ساترًا ذنوب عباده المؤمنين، يصفح عن ذنوبهم ويتجاوز عن كثير مما سقطوا فيه من الآثام إذا تابوا إليه، "رحيمًا" بهم رفيقًا ورؤوفًا وحليمًا.

١٠١. قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}.

في هذه الآية: ترخيصٌ من الله سبحانه في قصر الصلاة لمطلق السفر والضرب في الأرض.

فقوله: {ضَرَبْتُمْ}. أي: سافرتم. وفي التنزيل: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠].

روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: [إن الصلاة فُرضت في الخضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة] (٢).

وفي صحيح مسلم ومسند أحمد عن يعلى بن أمية قال: [سألت عمر بن الخطاب قلت له: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقد أمَّنَ الناس؟ فقال لي عمر - رضي الله عنه -: عجبْتُ مما عجِبْتَ منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته] (٣).

فبقيت الرخصة قائمة في مطلق السفر ومطلق الظروف، فالآية تدل على تشريع القصر، وتحدده بالخوف من الكفار، والسنة تطلقه في جميع الأحوال.


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٤٧٠)، كتاب أحاديث الأنبياء، ومسلم (٢٧٦٦)، وأحمد (٣/ ٢٠). من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٦٨٧)، وأبو داود (١٢٤٧)، والنسائي (٣/ ١٦٨ - ١٦٩)، وغيرهم. من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٦٨٦)، وأبو داود (١١٩٩)، والترمذي (٣٠٣٤)، وابن ماجة (٩٤٥)، وأحمد (١/ ٢٥)، (١/ ٣٦)، والبيهقي (٣/ ١٣٤)، (٣/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>