أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٠٢)}
في هذه الآية: تشريعُ صلاة الخوف أثناء القتال في المعركة: للإمام ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة، ولها أيضًا أشكال كثيرة. فإلى تفصيل ذلك التشريع الرهيب.
أخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقي قال: [كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِعُسْفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غِرَّتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، قال: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} قال: فحضرت، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذوا السلاح، قال: فصففنا خلفه صفين، قال: ثم ركع فركعنا جميعًا، ثم رفع فرفعنا جميعًا .. ] (١).
قلت: وقد وردت صلاة الخوف في السيرة في أشكال مختلفة، راعى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ظروف القتال.
قال الخطابي: (صلاة الخوف أنواع صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام مختلفة وأشكال متباينة، يتوقى فيها كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة).
وتفصيل ذلك:
الشكل الأول: صف مع الإمام وصف وُجَاه العدو، فيصلي بالذين يلونه ركعة ثم يقوم قائمًا حتى يصلي الذين معه ركعة أخرى، ثم ينصرفون وجاه العدو، وتجيء الطائفة الأخرى التي دخلت معه بالصلاة ليصلي بهم ركعة، ويثبت جالسًا، فيُتِمُّونَ لأنفسهم ركعة أخرى، ثم يسلم بهم جميعًا.
والدليل ما روى البخاري من حديث أبي حثمةَ - رضي الله عنه -: [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٤/ ٥٩ - ٦٠)، وأبو داود (١٢٣٦)، والنسائي (٣/ ١٧٦).