للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرجت روحها. وأما الرزق فهو مصدر (رزق) وهو ما ينتفع به والجمع أرزاق، والرزق أيضًا العطاء وقيل الشكر نحو قوله {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أي تجعلون شكركم تكذيبكم.

فيكون المعنى بالجمع بين أقوال المفسرين: إن الله سبحانه قد وصف المؤمنين بالإيمان بالغيب وإقام الصلاة كما وصفهم بالإنفاق من المال الحلال الطيب الذي رزقهم، فهم ينفقونه في سبيل الله، فيؤدون حقه الأول وهو الزكاة المفروضة، ثم يؤدون حقه الثاني فينفقون منه في عون المؤمنين والمحتاجين والفقراء والمساكين وفي وجوه الخير التي لا يحصميها إلا الله، فإذا ما احتاجت الأمة إلى أموالهم بذلوها في ما يعين به الله على حراسة دينه وتعظيم حرماته وبلوغ أسباب القوة بكل أشكالها وأنواعها، وقائدهم بهذا نبيّهم - صلى الله عليه وسلم - وصحابته هم أسوتهم.

فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في معجمه، عن أبي واقد رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن الله قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. ولو كان لابن آدم وادٍ لأحب أن يكون له ثانٍ، ولو كان له واديان، لأحب أن يكون لهما ثالثٌ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب] (١).

وقد تفضل عليهم ربهم لقاء صفة البذل والإنفاق فيهم، بأن تصدق عليهم عند وفاتهم بثلث أموالهم. فقد أخرج ابن ماجة بسند حسن عن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن معاذ وأبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، وجعل ذلك زيادة لكم في أعمالكم] (٢).

وقد ذهب شيخ المفسرين الإمام ابن جرير رحمه الله إلى هذا الشمول في معنى الإنفاق حيث قال: (وأولى التأويلات - بالآية وأحقّها بصفة القوم: أن يكونوا كانوا لجميع اللازم لهم في أموالهم، مؤدين، زكاة كان ذلك أو نفقةَ مَنْ لزمتْه نفقتُه، من أهل وعيال وغيرهم، ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والمِلك وغير ذلك. لأن الله جل ثناؤه عمّ وصفهم إذ وصفهم بالإنفاق مما رزقهم، فمدحهم بذلك من صفتهم. فكان معلومًا أنه إذ لم يخصُصْ مدْحَهم ووصفَهم بنوع من النفقات المحمود عليها صاحبها


(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٢١٨ - ٢١٩)، والطبراني في "الكبير" (٣٣٠٠ - ٣٣٠١)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٦٣٩).
(٢) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (٢٧٠٩) كتاب الوصايا، وانظر صحيح سنن ابن ماجة (٢١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>