للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوحًا لذلك من قبل، ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون، كذلك نجزي بالإحسان كل محسن. كما هدينا أيضًا من ذرية نوح إسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وفضلناهم على العالمين. كما هدينا من آباء هؤلاء وذرياتهم أمة اخترناها لهذا الدين، وهذا الهدى توفيق الله ولطفه بمن يشاء من عباده، ولو أشرك هؤلاء الأنبياء لبطل ما كانوا يعملون ولذهب جزاء ما كانوا يتقربون. وهؤلاء الذين سميناهم من الأنبياء والرسل قد آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة، فإن يكفر بها قومك يا محمد، فقد استحفظناها أولئك الرسل والأنبياء ومن سار معهم على هداهم وما كانوا بها كافرين، وهؤلاء الذين هدى الله من إخوتك الأنبياء والرسل قبلك يا محمد موضع القدوة والأسوة في أمة الدعوة من الخلق أجمعين، فامض على منهاجهم واصبر على إقامة الحق والدين في الأرض، وأخبر قومك أنك لا تريد بهذا البلاغ عوضًا فما هو إلا ذكرى للعالمين.

فقوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا}.

قال ابن كثير: (يذكر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق بعد أن طَعَنَ في السنِّ، وأيس هو وامرأته "سارّة" من الولد، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط، فبَشَّروهما بإسحاق، فتعجبت المرأة من ذلك، وقالت: {يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: ٧٢، ٧٣]. وبشروهما مع وجوده بنبوته، وبأن له نسلًا وعَقِبًا، كما قال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: ١١٢]. وهذا أكمل في البشارة، وأعظم في النعمة، وقال: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: ٧١]، أي: ويولد لهذا المولود ولدٌ في حياتكما، فتقرّ أعينكما به كما قَرَّتْ بوالده، فإن الفَرَح بِوَلَدِ الولدِ شديدٌ لبقاء النَّسل والعَقِب. ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يُتَوهَّم أنه لا يُعْقَبُ لضعفه وقعت البشارة به وبولده باسم "يعقوب"، الذي فيه اشتقاق العقب والذرية، وكان هذا مجازاةً لإبراهيم - عليه السلام - حين اعتزل قومه وترَكهم، ونزَحَ عنهم وهاجر من بلادهم ذاهبًا إلى عبادة الله في الأرض، فعوّضه الله - عز وجل - عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صُلْبِه على دينه، تَقَرُّ بهم عينه، كما قال تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: ٤٩]. وقال ها هنا: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا}).

<<  <  ج: ص:  >  >>