القول الأول: وهدينا من ذريته - أي: من ذرية نوح - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء الرسل الكرام، عليهم الصلاة والسلام.
قال ابن جرير:({وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ}، من ذكر نوح. وذلك لأن الله تعالى ذكره ذكر في سياق الآيات التي تتلو هذه الآية لوطًا فقال:{وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}. ومعلوم أن لوطًا لم يكن من ذرية إبراهيم صلى الله عليهم أجمعين. قال: ولكنه من ذرية نوح).
القول الثاني: وهدينا من ذريته - أي: ذرية إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء الرسل الكرام.
قال ابن عباس:(هؤلاء الأنبياء جميعًا مضافون إلى ذرية إبراهيم، وإن كان فيهم مَنْ لم تلحقه ولادة من جهته من جهة أب ولا أم، لأن لوطًا ابن أخي إبراهيم).
والعرب تجعل العمّ أبًا كما أخبر الله عن ولد يعقوب أنهم قالوا:{نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}[البقرة: ١٣٣]. وإسماعيل عمُّ يَعْقوب.
قال القرطبي:(وعدّ عيسى من ذرية إبراهيم وإنما هو ابن البنت. فأولاد فاطمة رضي الله عنها ذريّة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وبهذا تمسك من رأى أن ولد البنات يدخلون في اسم الولد. قال أبو حنيفة والشافعي: من وَقَفَ وقفًا على ولده وولد ولده أنه يدخل فيه ولد ولده وولد بناته ما تناسلوا).
قلت: وفي السنة الصحيحة ما يدل على هذا:
فقد أخرج البخاري من حديث أبي بكرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للحسن بن علي:[إن ابني هذا سيِّد، ولعل الله أن يُصلح به فئتين عظيمتين من المسلمين](١).
قال ابن كثير: (وعود الضمير - في {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ} إلى {نوح} لأنه أقرب المذكورين، ظاهر. وهو اختيار ابن جرير، ولا إشكال عليه. وعودُه إلى {إبراهيم} لأنه الذي سيقَ الكلام من أجله حَسَن، لكن يشكل على ذلك {لوط}، فإنه ليس من ذرية {إبراهيم}، بل هو ابن أخيه ماران بن آزَرَ، اللهم إلا أن يُقَالَ: إنه دخل في الذريَّة تغليبًا، كما في قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٧٠٤) و (٣٦٢٩)، وأبو داود (٤٦٦٢)، وأحمد (٥/ ٤٩). وأخرجه النسائي (٣/ ١٠٧). والحديث يدل أن بني البنات تدخل في وصية الرجل لذريته.