يعظموه حق عظمته ولا عرفوه حق معرفته). وقال أبو عبيدة:(أي: ما عرفوا الله حق معرفته).
قلت: والخطاب في الآية لقريش، كما قال ابن عباس:(يعني مشركي قريش). وقيل لليهود، والأول أرجح. وبه قال ابن جرير، ورجحه كذلك ابن كثير، لأن الآية مكية، واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء، وأما قريش فقد حكى الله ذلك عنهم:
قال تعالى في سورة يونس:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ}.
وقال تعالى في سورة الإسراء: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥)}.
فقد حاجَّهم سبحانه بقضية معروفة يَعْلمونها هُمْ نتيجة صلتهم ومعاملتهم لليهود، ويعلمها كل أحد، أن التوراة كتاب من عند الله أنزله على موسى ليستضاء به في كشف الشبهات والظلمات ومحو الجهالات التي كانت في حياة بني إسرائيل.
القراءة الأولى:{يَجعلونه قراطيس يُبْدونها ويخفون كثيرًا} بالياء. وهي قراءة مجاهد.
فالمعنى: أن اليهود كانوا يجعلون التوراة في قراطيس يكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديهم ويحرفون فيها ويبدلون حسب الأهواء والمصالح، حتى أخفوا ما جاء فيها من إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ووجوب متابعته والإيمان معه.
القراءة الثانية:{تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}.
والمعنى، كما قال القاسمي رحمه الله:(فهو التفات من خطاب قوم إلى خطاب قوم آخرين. وهو التفات عند الأدباء - حكاه الخفاجيّ - وإنما جعل من الانتقال عن خطابهم إلى خطاب اليهودية، تعريضًا لهم بأن إنكارهم إنزال الله تعالى من جنس فعل هؤلاء بالتوراة في البطلان، وعدم الإسناد إلى برهان).