قلت: وكلا المعنيين حق يحتمله السياق، ويقتضيه البيان الإلهي، فإن كانت هذه الآية مدنية دون سائر السورة، وعني بالخطاب اليهود، كان التأويل واضحًا وسهلًا.
وقوله: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ}.
قال ابن كثير: (أي: ومَن أنزل القرآن الذي عَلَّمَكُم الله فيه من خبر ما سبق، ونبأ ما يأتي ما لم تكونوا تَعْلمون ذلك لا أنتم ولا آباؤكم. وقد قال قتادة: هؤلاء مشركو العرب. وقال مجاهد: هذه للمسلمين).
وقوله: {قُلِ اللَّهُ}.
قال ابن عباس: (أي: قلُ: الله أنزله).
وقوله: {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}. تهديد ووعيد.
قال القاسمي: (أي: يفعلون فعل اللاعب، وهو ما لا يجرّ لهم نفعًا، ولا يدفع عنهم ضررًا، مع تضييع الزمان).
والمقصود: اتركهم واعتزلهم حتى يأتيهم - وهم في غمرة ضلالهم وجهلهم - اليقين من الله، وحتى يوقنوا ويعاينوا لمن ستكون العاقبة أللمتقين أم للجاحدين المستهزئين.
وقوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}.
أي: وهذا القرآن كتاب من الله تعالى أنزله مباركًا مصدقًا ما سبقه من الكتب ومهيمنًا عليها، وناسخًا لما سلفه من الشرائع السابقة بأحكام استقرت إلى يوم الدين، ولا يقبل الله من أحد يجحد بهذا الكتاب وَلَوْ آمَنَ بكل الكتب السابقة.
وعن ابن عباس: (يعني بـ: {أُمَّ الْقُرَى} مكة, {وَمَنْ حَوْلَهَا} من القرى إلى المشرق والمغرب).
وقال قتادة: ({أُمَّ الْقُرَى} , مكة, {وَمَنْ حَوْلَهَا}، الأرض كلها). وقال: (بلغني أن الأرض دُحِيَت من مكة).
قلت: وأم كلّ شيء وسطه ومركزه وأصله - هكذا في كلام العرب - ومنه سميت مكة أم القرى لأنها توسطت الأرض.
والخلاصة: لتنذر - يا محمد - أهل مكة - ومن حولها من أحياء العرب وقبائلهم وكذلك من سائر طوائف بني آدم عربهم وعجمهم، فالكل داخل تحت بلاغ هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونذارته.