للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عباس: ({فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}: مستقر في الرحم، ومستودع في صلب، لم يخلق سَيُخْلق). وقال: (المستقر في الأرحام، والمستودع في الصلب، لم يخلق وهو خالقه). وقال عكرمة: (المستقر الذي قد استقر في الرحم، والمستودع الذي قد استودع في الصلب).

قلت: والراجح القول الرابع، فهو أقرب للسياق، واختاره الحافظ ابن كثير، في حين اعتبر شيخ المفسرين كل التأويلات السابقة واردة، والله تعالى أعلم. وقد رأى آدم عليه الصلاة والسلام كل ذريته التي أخرجها الله من صلبه أمامه بنعمان قريب من عرفات.

فقد أخرج الإمام أحمد في المسند، بإسناد حسن عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلًا قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣)} [الأعراف: ١٧٢، ١٧٣]] (١).

وقوله: {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}.

قال قتادة: ({فَصَّلْنَا} بينا وقررنا). وقال ابن جرير: (قد بينا الحجج، وميزنا الأدلة والأعلام وأحكمناها {لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} مواقعَ الحجج ومواضع العبر، ويفهمون الآيات والذكر، فإنهم إذا اعتبروا بما نبّهتهم عليه من إنشائي من نفس واحدة ما عاينوا من البشر، وخلقي ما خلقت منها من عجائب الألوان والصور، علموا أن ذلك من فعل من ليس له مثل ولا شريك فيشركوه في عبادتهم إياه).

وقوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ}.

أي: وإن من آياته العظيمة الدالة على وجوب إفراده بالعبادة والتعظيم أنه أنزل الماء بأمره من السماء فأخرج به بقدرته العجيبة بدائع من النبات من غذاء الأنعام والبهائم والطير والوحش وأقوات بني آدم ومطاعمهم وما يتغذون به فينبتون عليه وينمون).

وقوله: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا}.

قال الأخفش: (أي: أخضر). قال القرطبي: (والخَضِر رطب البقول).


(١) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢٧٢)، والنسائي في "الكبرى" (١١١٩١)، وأخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعًا. وانظر الروايات المختلفة في بحث "الميثاق" من كتابي: أصل الدين والإيمان - عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان (١/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>