في هذه الآيات: يخبر الله تعالى عن سنته في أهل القرى الذين يستبيحون معصيته - إنه ما أرسلنا في قرية من نبي فكذبه أهلها إلا سلطنا عليهم الضيق والبؤس والأمراض والأسقام لعلهم إلى ربهم يتضرعون. ثم بدلنا مكان الشدة رخاء حتى كثروا وكثرت أموالهم وتمتعوا بالعافية والنعيم، فنسبوا ذلك إلى تقلبات الدهر كما حصل للآباء في أيامهم، فالدهر تارات وتارات، فباغتهم الله حينئذ بالعذاب والهلاك من حيث لا يشعرون. إنه لو آمن أهل القرى واتقوا ربهم وشكروه حق شكره لأرسل عليهم السماء مدرارًا، ولأَنْبَتَ لهم في أرجاء أراضيهم نباتًا وثمارًا وأزهارًا، ولكنهم أصروا على تعظيم شهواتهم فعاجلهم سبحانه بعذابه ولم يُبْقِ على الأرض من الكافرين ديّارًا. هل أمن الناس وهم يصرون على ما يسخط ربهم أن يفاجئهم ربهم بالعذاب وهم نيام في ليلهم، أو وَهُم في النهار يسرحون في أعمالهم؟ هل يأمنون مكر ربهم مقابل مكرهم؟ إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. أم لم يتبيّن للذين يرثون الأرض من بعد أهلها - وهم يشركون بالله كسابقيهم من الأمم - أن الله لو شاء عاجلهم بعقاب مقابل ما اجترحوه من آثام، أو ختم على قلوبهم فلا يسمعون موعظة ولا ينتفعون هدى ولا تبصيرًا. هذه القرى - يا محمد - التي أهلكناها من الأمم التي سبقت قد جاءهم البلاغ المبين، من إخوتك الرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، فما كانوا ليختاروا الإيمان وهم يشركون، وقد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون، كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين، فيختم عليها عقوبة لأصحابها فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. وقد نقضوا عهد الله عليهم وميثاقه فما حملوا الأمانة بل كانوا أهل خيانة وأكثرهم كانوا فاسقين.