من الطيبات، ويحرم عليهم ما استحلوه من المآكل المحرمة الخبيثة الضارة والموبقات، ويضع عنهم ما كان عليهم من التشديد في دينهم، فالذين صدقوه ونصروه وعظموا منهاجه أولئك هم المفلحون في الدنيا والآخرة.
فقل للناس جميعًا - يا محمد - إني قد أرسلت إليكم كافة لتفردوا الله تعالى بالعبادة والتعظيم لعلكم تهتدون. وقد مضى على هذا المنهاج طائفة الحق التي آمنت بموسى من قبلكم فكانوا من المهتدين.
في هذه الآية: إثبات نعت رسول الله - محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتب الأنبياء قبله، فقد بشروا أممهم ببعثته، وأمروهم بمتابعته، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وشريعته ناسخة لكل الشرائع قبله، وهو موصوف هو وأمته وأصحابه في التوراة والإنجيل، ولم تزل صفاته مذكورة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم رغم ما اعتراها من التحريف، فإنه لكثرة نسخ التوراة والإنجيل في الأرض يكشف بعضها بعضًا.
وقد حفلت السنة الصحيحة بكنوز من بعض ما جاء في التوراة والإنجيل في صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأمته، في أحاديث، منها:
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنْ عَبْدِ الله بن عَمْرِو بن العاص رضي الله عنهما: [أن هذه الآية التي في القرآن: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} قال: في التوراة، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومُبَشرًا ونذيرًا وَحِرْزًا للأمِّيينَ، أنت عبدي ورسولي، سمَّيْتُكَ المُتَوَكِّل، ليس بِفَظٍّ ولا غَليظٍ ولا سَخّاب بالأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكنْ يعفو ويصفح، ولن يقبضَهُ حتى يُقيم به الملّةَ العوجاءَ بأنْ يقولوا: لا إله إلا الله، فيَفْتَحُ بها أعْيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح، عن أبي صخر العُقيلي: حدثني رجل من الأعراب قال: [جلبْتُ جَلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغت من بيعتي، قلتُ: لألقَيَنَّ هذا الرجل، فلأسمعن منه. قال: فتلقاني
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٨٣٨)، كتاب التفسير، والطبري (١٥٢٣٦)، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (١/ ٢٧١)، والبغوي في "التفسير" (٩٤٦) من طرق عن فليح به.