للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أبي بكر وعمر، يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرًا التوراة يقرؤها، ويعزي بها نفسه على ابن له في الموت، كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنشُدُكَ بالذي أنزل التوراة! هل تجد في كتابك صفتي ومخرجي؟ فقال برأسه هكذا، أي: لا. فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة! إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال: أقيموا اليهوديَّ عن أخيكم. ثم وَلي كَفَنَهَ وحَنَّطَه وصلى عليه] (١).

الحديث الثالث: أخرج الحاكم بسند صحيح عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [مكتوبٌ في الإنجيل: لا فَظٌّ، ولا غليظٌ، ولا سَخَّابٌ بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلَها، بل يعفو ويصفح] (٢).

وأما لفظ {الْأُمِّيِّ}.

فهو من النسبة إلى الأمة الأمية، التي هي على أصل ولادتها، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها - ذكره ابن عزيز أحد علماء المالكية. وقال ابن عباس رضى الله عنه: (كان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أميًا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب، قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ. .} [العنكبوت: ٤٨]).

قلت: وهذه الصفة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - هي من كمال نبوته وصدق ما جاء به، فقد سَدَّ الله تعالى بهذه الصفة الباب على من حاول اتهامه بكتابة القرآن من عنده إذ كان عبقريًا، وهذا لا يعني أن لا تتعلم أمته القراءة والكتابة، فقد كان يأمر بالعلم والقراءة والكتابة، ففي التنزيل: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)}.

ومن كنوز السنة الصحيحة في ذلك أحاديث:

الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد بسند حسن من حديث صفوان بن عسال


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٤١١)، ورجال إسناده ثقات. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (٣٢٦٩)، وجهالة الصحابي لا تضر، وذكره الحافظ ابن كثير في التفسير - سورة الأعراف - (٢/ ٢٥١) وقال: "هذا حديث جيد قوي، له شاهد في "الصحيح" عن أنس".
(٢) رواه الحاكم (٢/ ٦١٤)، وابن عساكر (١/ ٢٦٤/ ٢)، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (٢٤٥٨). وقد مضى نحوه - عند البخاري - من حديث عبد الله بن عمرو عن التوراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>