للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧)}.

في هذه الآيات: توجيه الله تعالى نبيّه في أسلوب محاججة معاندي بني إسرائيل، فاسأل - يا محمد - هؤلاء اليهود الذين حولك عن قصة أجدادهم في عصيان الله يوم السبت، وكيف انقسموا ثلاثة أقسام: قسم انتهك المحذور وركب المعصية واحتالوا على صيد السمك يوم السبت، وقسم نهى عن ذلك، وقسم قالوا لمن أنكر عليهم: لم تنهون هؤلاء وقد استحقوا الهلاك ولا فائدة من نهيهم، فأجابوهم: إنما نفعل ذلك امتثالًا لما عهد علينا ربنا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولعلهم يرجعون.

فلما أهمل العصاة موعظة المؤمنين لهم، استحقوا العذاب من الله، واستحق المؤمنون النجاة والثواب. ولما مَرَدَ العصاة وتطاولوا أكثر وأكثر، نزل بهم الأسوأ من العقاب والأبشع، فصيّرهم الله قردة لها أذناب تعاوى. وكتب عليهم المذلة إلى يوم القيامة: سواء في الدنيا مما ينال أحفادهم الذين ساروا على منهاجهم من الخزي في الأرض، أو مما ينال من مات منهم على الكفر من عذاب القبر إلى يوم الحساب والعرض، إن الله سريع العقاب بالمجرمين، غفور رحيم بالمؤمنين.

فقوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}.

يقول تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: اسأل هؤلاء اليهود الذين حولك عن قصة أجدادهم إذ عصوا الله في السبت. قال ابن جرير: (هي قرية حاضرة البحر (١) - {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ}، يعني به أهله، إذ يعتدون في السبت أمر الله، ويتجاوزونه إلى ما حرم الله عليهم. وكان اعتداؤهم في السبت: أن الله كان حرّم عليهم السبت، فكانوا يصطادون فيه السمك. {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا}، يقول: إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم الذي نهوا فيه عن العمل، {شُرَّعًا}، يقول: شارعة ظاهرة على الماء من كل طريق وناحية، كشوارع الطرق).


(١) قيل: هي أيلة - ذكره ابن عباس ومجاهد. وقيل هي ساحل مدين - ذكره قتادة. وقيل: هي مَقْنا بين مدينة وعَيْنونَى. والله أعلم بذلك، والصواب إطلاق ذلك كما فعل ابن جرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>