للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حفلت السنة الصحيحة بآفاق هذا المعنى في أحاديث، منها:

الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند جيد، عن عبد الرحمن بن الحضرمي يقول: أخبرني من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إنَّ من أمتي قومًا يُعْطَوْن مِثْلَ أجورِ أَوَّلِهم، يُنْكرون المنكر] (١).

الحديث الثاني: أخرج البخاري ومسلم عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرّهم من خَذَلهم ولا من خالفهم، حتى تقوم الساعة] (٢). وفي رواية: (حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك). وفي رواية: (قال معاذ: وهم بالشام).

الحديث الثالث: أخرج ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا تزال طائفةٌ من أمتي قَوَّامةً على أمر الله لا يضرُّها مَنْ خالَفَها] (٣).

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}.

قال الضحاك: (كلما جدّدوا لنا معصية جدّدنا لهم نعمة). وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: (بالألطاف والكرامات، لذلك قال سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر) - ذكره القرطبي.

قلت: والاستدراج هو من مكر الله بالعبد المتمرد في عصيانه، فإنه سبحانه يفتح له آفاق الرزق والرخاء، ووجوه المعاش ووفرة المال والبسط والسعة حتى يقترب أخذه، كما قال جل ثناؤه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ٤٤, ٤٥].

أخرج الإمام أحمد في المسند، بسند صحيح، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه،


(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٤/ ٦٢)، (٥/ ٣٧٥)، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة (١٧٠٠) وقال: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم رجال الصحيح، وفي زيد بن الحباب كلام لا يضر إن شاء الله تعالى، وأما جهالة الصحابي فلا تضر قطعًا لأنهم عدول.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح - حديث رقم - (٣٦٤١)، وأخرجه مسلم في صحيحه برقم (١٥٦) من حديث جابر وغيره، وأخرجه أهل السنن.
(٣) حسن صحيح. أخرجه ابن ماجه في السنن - حديث رقم - (٧). باب اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وانظر صحيح ابن ماجه - حديث رقم - (٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>