للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إذا رأيت الله تعالى يُعطي العبد من الدنيا ما يحب، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك منه استدراج] (١).

وقوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}.

قال القرطبي: {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي: أطيل لهم المدة وأمهلهم وأُؤَخِّرُ عقوبتهم. {إِنَّ كَيْدِي} أي: مكري. {مَتِينٌ} أي: شديد قوي. وأصله من المتن، وهو اللحم الغليظ الذي عن جانب الصلب).

وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

قال النسفي: ({أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ} محمد عليه السلام، وما نافية بعد وقف، أي: أولم يتفكروا في قولهم، ثم نفى عنه الجنون بقوله ما بصاحبهم {مِنْ جِنَّةٍ} جنون {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} منذر من الله موضح إنذاره). فالمعنى: هل تفكروا فيما جاءهم به محمد - صلى الله عليه وسلم -، ليعلموا أنه ما به خَبل ولا جنون، وإنما هو إنذار مبين، ودعوة صادقة إلى الدين القويم. ومن هنا كان الوقف على {يَتَفَكَّرُوا} حسنًا عند القراء.

وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥)}.

أي: هلّا نظروا في هذا الكون الفسيح نظر اعتبار واستدلال، وفي كل ما خلق الله من شيء. قال القاسمي: (والملكوت: الملك العظيم. {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} عطف على {ملكوت}. أي: في احتمال أن يهلكوا عما قريب، فيفارقوا الدنيا، وهم على أتعس الأحوال {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} أي: القرآن {يؤمنون} أي: إذا لم يؤمنوا به، وهو المعجز الجامع لكل ما يفيد الهداية. وفي هذا قطع لاحتمال إيمانهم رأسًا، ونفي له بالكلية).

فالشمس والقمر والنجوم والسحاب بعض ملكوت السماوات، والبحار والجبال والدواب والشجر بعض ملكوت الأرض، وكل ذلك يقلبه الله سبحانه ويغير أحواله كما هو شأن كل خلقه، والناس جزء من هذا الخلق يمضون ويغادرون الحياة في أي


(١) سنده قوي. أخرجه أحمد (٤/ ١٤٥)، وابن جرير في "التفسير" (٧/ ١١٥)، وهو حديث صحيح بالمتابعات. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>