كَبُرَت في شأنها وخَفِيت في السماوات والأرض فلم يعلم قيامها ملك مقرّب ولا نبي مرسل، فهي تأتي على غفلة ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ثم قل لهم - يا محمد -: إنني لا أملك جلب النفع لنفسي أو دفع الضرر عنها، شأني بذلك كسائر البشر، ولو كنت أعلم الخير أو ما يكون من الغيب منه لاستبقت إليه، ولدافعت ما كان من الشر القادم منه، ولكني بشر يصيبني الخير وينزل بي الابتلاء وإنما أنا نذير للكافرين المعاندين، وبشير للمؤمنين المخبتين.
فقوله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}. قال السدي:(يقول: متى قيامها؟ ).
وقال ابن عباس:(يعني: منتهاها) - أي: متى حصولها وأيان آخر ساعة من ساعات هذه الحياة الدنيا لتبدأ أول ساعة من ساعات الآخرة.
أي: علمها إلى الله، ولا يعلم جلية أمرها وتحديد وقتها إلا الله تعالى. قال قتادة:(يقول: علمها عند الله، هو يجليها لوقتها، لا يعلم ذلك إلا الله). وعن مجاهد:({لَا يُجَلِّيهَا}، يأتي بها). أو قال:(لا يأتي بها إلا هو). وقال السدي:(يقول: لا يرسلها لوقتها إلا هو).
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عنن حذيفة قال: [سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة؟ فقال:{عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} ولكنْ أخبركم بمشاريطِها، وما يكون بين يَدَيْها: إنَّ بينَ يديها فتنةً وهرَجًا. قالوا: يا رسول الله! الفتنةُ قد عرفناها فالهرجُ ما هو؟ قال: بلسان الحبشة: القتل، ويلقى بين الناس التناكرُ فلا يكاد أحدٌ أن يعرفَ أحدًا] (١).
وقوله:{ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. فيه أقوال متكاملة:
١ - القول الأول: ثقلت الساعة على أهل السماوات والأرض أن يعرفوا مجيئها ووقتها، لخفائها عنهم، واستئثار الله بعلمها. قال السدي:(يقول: خفيت في السماوات والأرض، فلم يعلم قيامها متى تقوم مَلَكٌ مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسل). وعن معمر، عن بعض أهل التأويل:(ثقل علمها على أهل السماوات وأهل الأرض، إنهم لا يعلمون).
٢ - القول الثاني: كبرت عند مجيئها على أهل السماوات والأرض.
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٥/ ٣٨٩) بسند على شرط مسلم. وانظر: "الصحيحة" (٢٧٧١).