قال الحسن:(يعني: إذا جاءت ثقلت على أهل السماء وأهل الأرض. يقول: كبرت عليهم). وقال ابن جريج:({ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، قال: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت النجوم، وكُوِّرَت الشمس، وسُيِّرَت الجبال، وكان ما قال الله. فذلك ثقلها). وقال السدي:({ثقلت}: عظمت).
٣ - القول الثالث: معنى قوله: {فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، على السماوات والأرض. فعن قتادة:{ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أي: على السماوات والأرض).
قلت: ولا مانع من اجتماع هذه الأقوال في مفهوم الآية، فإن الإعجاز القرآني يحتمل هذا، فالساعة ثقيلة عند مجيئها على أهل السماوات والأرض، كما هو ثقيل علمها ومعرفة وقتها. وإن كان القول الأول منسجمًا أكثر مع بقية آيات القرآن عن الساعة، كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} [النازعات: ٤٢ - ٤٤]. وكقوله تعالى:{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}[الأحزاب: ٦٣].
وقوله:{لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}.
قال السدي:(يقول: يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلة).
وقد دلّت السنة الصحيحة على آفاق هذا المعنى، في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:[لا تقوم الساعة حتى تطلعَ الشمس من مَغْربها، فإذا طَلعَتْ فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسَبت في إيمانها خيرًا، ولتقومَنَّ الساعةُ وقد نَشَرَ الرجلان ثَوْبَهُما بينهما، فلا يَتَبايعانه ولا يطويانه. ولتقومَنَّ الساعةُ وقد انصرف الرجل بلبنِ لِقْحَتِهِ فلا يَطْعَمهُ. ولتقومَنَّ الساعةُ وهو يَلِيطُ حَوْضَهُ فلا يَسْقي فيه. ولتقومَنَّ الساعةُ والرجل قد رَفَعَ أكْلَتَهُ إلى فيه فلا يَطْعَمها](١). وقوله:"يليط حوضه" - أي: يصلحه.
الحديث الثاني: أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - يبلغُ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [تقوم الساعةُ والرجل يَحلُبُ اللِّقْحة، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة،
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في الصحيح - حديث رقم - (٦٥٠٦)، (٧١٢١)، وأحمد في المسند (٢/ ٣٦٩)، وأبو يعلى (٦٢٧١)، وغيرهم.