للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركين المستهزئين، فإن شرَّ الخلق والخليقة هو هذا الضرب من بني آدم يعاندون العلم بعد الفهم ويكابرون الحق بعد العقل، وقد علم الله أنه لا خير فيهم فحرمهم من الهداية وأطفأ نور قلوبهم جزاء بما كانوا يكسبون. يا معشر المؤمنين أجيبوا ربكم ونبيكم إذا دعاكم لما فيه نفعكم وصلاحكم واعلموا أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمان، فمن شاء أقامه ومن شاء أزاغه ثم إلى ربكم تحشرون. واحذروا امتحانًا من الله يشمل المسيء وغيره، والعاصي وسواه، إذ إنّ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يترتب عليه كل شر، وتذكروا أن الله شديد العقاب.

فقوله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} - فيه أقوال متقاربة:

١ - قال الضحاك: (إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء).

٢ - قال ابن عباس: (يعني بذلك المشركين: إن تستنصروا فقد جاءكم المدد).

٣ - قال الزهري: (استفتح أبو جهل فقال: اللهم - يعني محمدًا ونفسه - أينا كان أفجرَ لك، اللهم وأقطعَ للرحم، فأحِنْه اليوم! قال الله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}).

٤ - قال قتادة: (قد كانت بدرٌ قضاءً وعِبْرَةً لمن اعتبر).

فالمعنى: إن تستقضوا الله أو تستنصروه أو تستحكموه - معشر الكفار يوم بدر - أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين، فقد جاءكم ما سألتم.

أخرج الحاكم وابن جرير بسند صحيح عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير قال: [كان المستفتح يوم بدر أبا جهل، قال: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لم نعرف، فَأحِنْهُ الغداة، فأنزل الله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}] (١).

وقوله: {وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. أي: إن تنتهوا عن الكفر والتكذيب وحرب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو خير لكم في دنياكم ومعادكم.


(١) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٢/ ٣٢٨)، وأحمد في المسند (٥/ ٤٣١)، والنسائي في "التفسير" (٢٢١)، وأخرجه الطبري في "التفسير" (١٥٨٥٢)، وانظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" - الوادعي - سورة الأنفال، آية (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>