فقوله:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}. أي: إن شأنك يا محمد شأن الرسل الذين أرسلناهم قبلك، كانوا بشرًا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويأتون الزوجات ويولد لهم، وجعلنا لهم أزواجًا وذرية.
قال القاسمي:(وهو ردٌّ لقولهم: لو كان نبيًا لكان من جنس الملائكة كما قالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}[الفرقان: ٧]، وإعلامٌ بأن ذلك سنة كثير من الرسل، فما جاز في حقهم لمَ لا يجوز في حقه؟ وقد قال تعالى له:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[الكهف: ١١٠]).
قال ابن جرير:(يقول تعالى ذكره: وما يقدر رسولٌ أرسله الله إلى خلقه أن يأتي أمَّتَهُ بآية وعلامة، من تسيير الجبال، ونقلِ بَلْدَةٍ من مكان إلى مكان آخر، وإحياء الموتى، ونحوها من الآيات، {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، يقول: إلا بأمر الله الجبال بالسير، والأرضَ بالانتقال، والميتَ بأن يحيَا، {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}، يقول: لكل أجلٍ أمرٍ قضاه الله، كتابٌ قد كتبه فهو عنده).
وقوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} - له أكثر من تأويل عند المفسرين:
التأويل الأول: قيل يمحو الله ما يشاء من أمور عباده فيغيره، إلا الشقاء والسعادة، فإنهما لا يُغَيّران.
قال ابن عباس:(يدبر الله أمر العبادة، فيمحو ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت). وفي لفظ:(يدبر أمر السنة، فيمحو الله ما يشاء إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت). وقال مجاهد:(إلا الحياة والموت والسعادة والشقاوة، فإنهما لا يتغيران).
التأويل الثاني: يمحو الله ما يشاء ويثبت من كتاب سوى أم الكتاب الذي لا يُغَيَّرُ منه شيء. وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ، فكأن المحو والإثبات من الصحف التي بأيدي الملائكة.
قال عكرمة:(الكتاب كتابان: كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب).
التأويل الثالث: قيل بل يمحو كلّ ما يشاء، ويثبت كل ما أراد.