للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يروي ابن جرير بسنده عن أبي عثمان النَّهدي: (أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شقْوة أو ذنبًا فامحه، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة).

ثم روى عن ابن عباس قوله: (هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله، ثم يعود لمعصية الله، فيموت على ضلاله، فهو الذي يمحو. والذي يثبت: الرجل يعملُ بمعصية الله، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله، فهو الذي يثبت).

التأويل الرابع: قيل بل معنى ذلك يمحو من قد حان أجله ويثبت من لم يجئ أجله إلى أجله.

قال الحسن: (يمحو من جاء أجله فذهب، والمثبت الذي هو حيّ يجري إلى أجله).

التأويل الخامس: يغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفر. فعن عطاء، عن سعيد قال: (يثبت في البطن الشقاء والسعادة، وكلَّ شيء، فيغفر منه ما يشاء، ويؤخر ما يشاء).

التأويل السادس: ينسخ الله ما يشاء من أحكام كتابه، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه.

قال ابن عباس: ({يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} من القرآن. يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله، {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ، وما يبدل وما يثبت، كل ذلك في كتاب).

قلت: والسياق يدل على التأويل السادس، فقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} - فيه إخبار أن الرسول لا يأتي بالآيات من قبل نفسه بل من عند الله الذي قدّر للشرائع أجلًا وغاية ثم ينسخها بالشريعة الأخرى ويثبت ما يشاء منها.

وقوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}.- خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - للقيام ببلاغ قومه وإنذارهم والله يتولى مكرهم وحسابهم. قال النسفي: (وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم أو توفيناك قبل ذلك {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} - فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب {وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} - وعلينا حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم لا عليك فلا يهّمنك إعراضهم ولا تستعجل بعذابهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>