والتسخير كذلك. ثم إن أكثر الناس بنعم الله يجحدون، وقليل من عباد الله الذين يشكرون.
فقوله:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} الآية. قال مجاهد:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} قال: تسكنون فيه). وعن ابن عباس:({أَثَاثًا}، قال: يعني بالأثاث: المال). وقال مجاهد:({أَثَاثًا}: متاعًا). وقيل: هو الثياب. وقوله:{وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} قال مجاهد: (إلى الموت). وقال ابن عباس:({وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} فإنه يعني: زينة، يقول: ينتفعون به إلى حين). وقال قتادة:(إلى أجل وبلغة).
فالمعنى: والله جعل لكم أيها الناس من الحجر والمدر بيوتًا تسكنون فيها حين إقامتكم في دوركم وبلادكم، وجعل لكم خيامًا من الشعر والصوف والوبر والجلد تستخفون حملها ونقلها في أسفاركم لإقامة متنقلة وأيام محدودة، كما تستفيدون منها لإقامتكم في بلادكم وأمصاركم. قال ابن كثير:({وَمِنْ أَصْوَافِهَا}، أي: الغنم، {وَأَوْبَارِهَا}، أي: الإبل. {وَأَشْعَارِهَا}، أي: المَعْزِ - والضمير عائد على الأنعام - {أَثَاثًا}، أي: تتخذون منه أثاثًا، وهو المال. وقيل: المتاع. وقيل: الثياب. والصحيح أعمُّ من هذا كلِّه، فإنه يتخذ منه الأثاث والبُسْط والثياب وغير ذلك، ويُتَّخَذُ مالًا وتجارة. وقوله:{إِلَى حِينٍ}، أي: إلى أجل مسمى ووقت معلوم).
وقوله:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا}. قال قتادة:(إي والله. . . من الشجر ومن غيرها). وقوله:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} - أي حصونًا ومعاقل ومواضع تسكنون فيها، والأكنان: جمع كِنّ (١). قال الرازي:(الكِنّ: السُّترة. والأكِنّة: الأغطية). قال قتادة:({وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} يقول: غيرانًا من الجبال يسكن فيها).
وقوله:{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}. قال قتادة:(يعني ثياب القطن والكتان والصوف وقمصها). وقوله:{وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}. وهي الدروع التي تقي الناس في الحرب وما شابهها. قال قتادة:(هي سرابيل من حديد). والمراد دروع الحديد المصفَّح والزَّرَدِ ونحوها مما يرد سلاح العدو أثناء القتال ويصد ضرباته.
وقوله:{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}. قال قتادة: (هذه السورة
(١) وهو الحافظ من المطر والريح وغير ذلك. والمراد هنا بيوت السكن في مغاوير وتجاويف الجبال.