للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا}

قال القرطبي: ({فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي: لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرّم). قال مجاهد: (إن يَبْلُغانِّ عندك الكبر فلا تقل لهما أف حين ترى الأذى، وتميط عنهما الخلاء والبول، كما كانا يميطان عنك صغيرًا، ولا تؤذهما). قال ابن كثير: (أي: لا تُسْمِعهما قولًا سيئًا، حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيِّئ). وقال عطاء: ({وَلَا تَنْهَرْهُمَا}: لا تنفض يدك على والديك). وقال ابن جرير: ({وَلَا تَنْهَرْهُمَا} يقول جل ثناؤه: ولا تزجُرهما).

وقوله {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}. قال ابن جريج: (أحسن ما تجد من القول). وقال قتادة: (أي قولًا ليِّنًا سهلًا).

وقوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}. قال هشام بن عروة عن أبيه: (هو أن لا تمتنع من شيء يريدانه). أو قال: (هو أن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحبّاه). والمقصود: بذل غاية التواضع للوالدين بالقول والفعل، والأثر السابق في عروة ثبت بسند صحيح. فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن عُروة قال: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} قال: (لا تمتنع من شيء أحبّاه) (١).

وقوله: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. قال النسفي: (ولا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها، وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك، والمراد بالخطاب غيره عليه السلام، والدعاء مختص بالأبوين المسلمين. وقيل: إذا كانا كافرين له أن يسترحم لهما بشرط الإيمان وأن يدعو الله لهما بالهداية).

وعن ابن عباس: (قوله: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} ثم أنزل الله عز وجل بعد هذا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة: ١١٣]).

وقد ورد الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما كثيرًا في القرآن والسنة الصحيحة:


(١) صحيح الإسناد. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٩) - باب لين الكلام لوالديه - وانظر: "صحيح الأدب المفرد" - حديث رقم - (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>