وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى- قال:[يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم] الحديث (١).
قال النسفي:({وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ} في أرحام أمهاتكم {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} لإيصال جزائكم {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ} لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم، ودفع عنه من صنوف النقم، أو لا يعرف نعمة الإنشاء المبدئ للوجود، ولا الإفناء المقرب إلى الموعود، ولا الإحياء الموصل إلى المقصود؟ ! ).
في هذه الآيات: تقريرُ الله الشرائع في كل أمة وجعل شريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ناسخة لجميع الشرائع قبلها. وتهديد ووعيد للذين جعلوا منهاجهم جدال المرسلين، ويوم الفصل يعلمون ما كانوا فيه يمترون.
فقوله:{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ}. قال ابن عباس:(يقول: عيدًا).
وقال مجاهد:(إراقة الدم بمكة). وقال قتادة:({مَنْسَكًا}: ذبحًا وحَجًّا).
وأصل المنْسَك الموضع الذي يعتاده الإنسان ويتردّد إليه لخير أو شر، ولكنه غالبًا ما يربط بالتعبد وأعمال العبادة. ومنه مناسك الحج. قال الرازي: (و"المَنْسِك" بفتح السين وكسرها الموْضِعُ الذي تُذْبَحُ فيه النَّسَائِك، وقرئ بهما قولُه تعالى:{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا}).
قلت: والراجح من سياق الآية أن المقصود أعم من الذبح، فقوله: {مَنْسَكًا هُمْ
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨/ ١٧)، وأحمد (٥/ ١٦٠) في أثناء حديث طويل.