للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى- قال: [يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم] الحديث (١).

وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ}.

قال النسفي: ({وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ} في أرحام أمهاتكم {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} لإيصال جزائكم {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ} لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم، ودفع عنه من صنوف النقم، أو لا يعرف نعمة الإنشاء المبدئ للوجود، ولا الإفناء المقرب إلى الموعود، ولا الإحياء الموصل إلى المقصود؟ ! ).

٦٧ - ٦٩. قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (٦٨) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩)}.

في هذه الآيات: تقريرُ الله الشرائع في كل أمة وجعل شريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ناسخة لجميع الشرائع قبلها. وتهديد ووعيد للذين جعلوا منهاجهم جدال المرسلين، ويوم الفصل يعلمون ما كانوا فيه يمترون.

فقوله: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ}. قال ابن عباس: (يقول: عيدًا).

وقال مجاهد: (إراقة الدم بمكة). وقال قتادة: ({مَنْسَكًا}: ذبحًا وحَجًّا).

وأصل المنْسَك الموضع الذي يعتاده الإنسان ويتردّد إليه لخير أو شر، ولكنه غالبًا ما يربط بالتعبد وأعمال العبادة. ومنه مناسك الحج. قال الرازي:"المَنْسِك" بفتح السين وكسرها الموْضِعُ الذي تُذْبَحُ فيه النَّسَائِك، وقرئ بهما قولُه تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا}).

قلت: والراجح من سياق الآية أن المقصود أعم من الذبح، فقوله: {مَنْسَكًا هُمْ


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨/ ١٧)، وأحمد (٥/ ١٦٠) في أثناء حديث طويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>