فقوله: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}.
قال ابن عباس: (والمعنى: وربك يخلق ما يشاء من خلقه ويختار منهم من يشاء لطاعته).
وقال يحيى بن سلّام: (وربك يخلق ما يشاء من خلقه ويختار من يشاء لنبوته).
والآية بعمومها إخبار من الله تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار، فلا منازع لأمره ولا معقب لحكمهِ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وقوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}. قال النسفي: (ما لنفي اختيار الخلق تقريرًا لاختيار الحق). والمقصود: ليس لهم أن يختاروا على الله شيئًا ما، وله الخيرة عليهم.
واختار ابن جرير أنَّ "ما" بمعنى الذي، واستفاد من ذلكَ طائفةٌ من المعتزلة على وجوب مراعاة الأصلح. أي: ويختار الذي لهم فيه خيرة. والراجح أنها نافية. قال ابن كثير: (نفي على أصحِّ القولين. فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخَلقِ والتقدير والاختيار، وأنه لا نظير له في ذلك).
وقوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. تنزيه لله وتقديس وتمجيد، فهو المنفرد بالخلق والتدبير، لا ما يشرك به المشركون من الأنداد والأوثان والطواغيت.
وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}.
تمدح له سبحانه بأنه عالم الغيب والشهادة لا يخفى عليهِ شيءٌ، وأنه يعلمُ ما تخفيهِ صدور عباده وما يعلنونه بجوارحهم.
كقوله جل ذكره: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: ١٠].
وكقوله جل ثناؤه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: ١٩].
وقوله: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}. تقرير للألوهية بعد إثبات تفرّده بخصائص الربوبية.
أي: فكما أنه وحده يخلق ويختار فهو الربّ العظيم لا ربَّ سواه، فكذلكَ هو الإله الحق المستحق للعبادة لا إله غيره.
والآية تقريع للمشركين الذين هم مقهورون بربوبيته عز وجل، والتي كان ينبغي أن تقتضي منهم إفراده تعالى بالعبادةِ والتعظيم.