قلت: والجمع ممكن بين هذه الأقوال: فإن الله تعالى افترض على رسوله - صلى الله عليه وسلم - إبلاغ هذا القرآن الذي أنزله عليه، ثم هو سبحانهُ نصره على طغاة مكة حتى فتحها بعد ما أخرجوه منها، ثم إنه تعالى قبضه إليه ثم إن الموعد ين يديه، ليثيبه على جهاده وقيامهِ بأعباء النبوةِ في جنَّةِ عرضها السماوات والأرض، هو خيرُ من يدخلها ويستقر فيها.
وقوله: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
أي: قل -يا محمد- لمن كذّبكَ من قومكَ وأصرّ على مخالفتكَ، ولمن مضى على منهاجهم في الكفر: إن ربي هو أعلم بالمهتدي الذي هو على سبيل الهدى، وإذا سلكه نجا، ومن هو على منهاجِ الغي والضلال، يمضي على سبيل العمى، ويجور عن طريق الهدى.
وقوله: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وما كنت ترجو يا محمد أن ينزل عليكَ هذا القرآن، فتعلم الأنباء والأخبار عن الماضين قبلك، والحادثة بعدك، مما لم يكن بعدُ، مما لم تشهده ولا تشهده، ثم تتلو ذلكَ على قومكَ من قريش، إلا أن ربكَ رحمك، فأنزله عليك، فقوله: {إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} استثناء منقطع).
وقوله: {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}.
قال ابن كثير: (أي: إنما أُنزل الوحي عليكَ من الله من رَحْمَتِهِ بكَ وبالعبادِ بسَبَبِكَ فإذا مَنَحكَ بهذه النعمة العظيمة {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} أي: معينًا. {لِلْكَافِرِينَ}، ولكن فارِقْهمْ ونابِذْهُم وخالِفهم).
وقوله: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ}. قال القرطبي: (يعني أقوالهم وكذبهم وأذاهم، ولا تلتفت نحوهم وامض لأمرك وشأنك).
والمقصود: لا تلتفت يا محمد إلى محاولات مكرة قومك في تكذيبك وصدّ الناس عنك، بل امض مستعينًا بربكَ، فإن الله ناصرك ومؤيدك.
وقوله: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ}. أي: إلى توحيده وإفراده بالعبادةِ والتعظيم.
وقوله: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. قال ابن جرير: (يقول: ولا تتركنّ الدعاء إلى ربك، وتبليغ المشركين رسالته، فتكون ممن فَعَل فِعل المشركين بمعصيته ربه، وخلافه أمره).