للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَر}.

قال ابن عباس: (الخطاب في الظاهر للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد أهل دينه).

وقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}. أي: لا معبود تصلح له العبادة إلا الله جل ثناؤه.

وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}. فيه أكثر من تأويل:

التأويل الأول: كل شيء هالك إلا هو.

قال ابن كثير: (إخبارٌ بأنه الدائم الباقي الحيُّ القيُّوم، الذي تموت الخلائق ولا يموتُ، كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٦ - ٢٧] , فعبَّر بالوجه عن الذات، وهكذا قولنا ها هنا: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، أي: إلا إيّاه).

التأويل الثاني: كل شيء هالك إلا ما ابتغي به وجهه.

قال مجاهد: ({كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} أي: إلا ما أريد بهِ وجهُه).

قال البخاري في كتاب التفسير من صحيحه: ({كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}: إلا مُلْكَهُ، ويُقالُ: إلا ما أريد به وَجْهُ الله).

التأويل الثالث: فيه إثبات صفة الوجه لله تعالى.

والتقدير: كل شيء هالك إلا الله الذي له الوجهُ الكريم.

قال البيهقي: (تكرر ذكر الوجه في القرآن والسنة الصحيحة وهو في بعضها صفة ذات، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا رداء الكبرياء على وجهه". وفي بعضها بمعنى من أجل، كقوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}. وفي بعضها بمعنى الرضى كقوله تعالى: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}، وقوله تعالى: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠)} [الليل: ٢٠].

قلت: ولا منافاة بين هذه الأقوال، فإنه يفنى كل شيء إلا الله ذو الوجه الكريم، وتبقى الباقيات الصالحات التي قُصد بها وجهُه جل ثناؤه. وكذلكَ تحمل الآيات والأحاديث على إثبات تلك الصفة له جل ذكره -صفة الوجه- وعلى المعاني الطيبةِ الأخرى.

وفي التنزيل نحو ذلك:

١ - قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)} [الرحمن: ٢٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>