قلت: والآية تشمل جميع ما ذكر من بث السلام في الأرض وتحرك الألسنة إلى يوم القيامة بالسلام على المرسلين، وتقرب المؤمنين إلى ربهم بالصلاة على النبيين، وربط قلوبهم وحياتهم ومنهجهم بمنهاج المرسلين، ثم هو مدح الله لهذه القدوة من البشر ليؤصل الاقتداء والتأسي بهم في حياة أتباع الرسل أن صدقوا الله ما وصفوه، فصدقهم النصر في الدنيا وسيصدقهم الأمن من الفزع الأكبر في الآخرة، ودخول الجنةِ والخلود بنعيمها، واللهَ نسألُ أن ينعم علينا بالتزام منهاجهم في الدنيا وبالحياةِ بقربهم في جنةِ الفردوس في الآخرة.
وقوله هنا:{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فيه أكثر من فهم عند المفسرين:
الفهم الأول: أي الحمدُ لله على إرسال المرسلين مبشرين ومنذرين. ذكره القاسمي حيث قال:({وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي على نعمهِ، التي أجَلّها إرسال الرسل لإظهار أسمائه الحسنى وشرائعه العليا، وإصلاح الأولى والأخرى).
الفهم الثاني: أي الحمدُ لله على ما صدق الرسل النصر والتأييد. ذكره النسفي وقال:(والحمدُ لله رب العالمين على ما قيض لهم من حسن العواقب).
الفهم الرابع: أي الحمدُ لله على جميع ما أنعم به على الخلق أجمعين. ذكره ابن جرير رحمه الله حيث قال:(والحمدُ لله رب الثقلين الجن والإنس خالصًا دون ما سواهُ لأن كل نعمة لعباده فمنه، فالحمدُ لهُ خالص لا شريكَ لهُ كما لا شريكَ له في نعمة عندهم بل كلها من قِبله ومن عنده).
الفهم الخامس: الحمدُ لله يدل على إثبات صفة الكمال لهُ وتنزيهه عما يقولون. ذكره الحافظ ابن كثير حيث قال:(ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمدَ يدلُ على إثبات صفات الكمال ويستلزم التنزيه من النقص، قرن بينهما في هذا الموضع وفي مواضع كثيرة من القرآن، ولهذا قال تبارك وتعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}).
الفهم السادس: -وهو فَهْمٌ أضيفه ولم أجده عند المفسرين-: وهو الحمدُ لله الذي علّمنا صفاته العظمى وأسماءهُ الحسنى لندعوهُ بها، ويلهج القلبُ بالأنس والطمأنينة