للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال الشاقة التي لا يقدر عليها البشر، وطائفة غواصون في البحار يستخرجون ما فيها من اللآلِئ والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها، وآخرين مقرنين في الأصفاد: أي موثوقون في الأغلال والأكبال ممن قد تمرّد وعصى وامتنع من العمل وأبى أو قد أساء في صنيعه واعتدى).

قلت: فذلل الله له كل الاختصاصات وأصحابها ومهرتها ليبني دولة الحق ويشيدها ليرهب بها عدو الله ويقيم منهج الوحي في الأرض.

وقوله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. في تأويله معان متقاربة:

التأويل الأول: هذا الملك الذي أعطاه الله. فعن قتادة قال: (الملك الذي أعطيناك، فأعط ما شئت وامنع ما شئت). قال الحافظ ابن كثير: (أي هذا الذي أعطيناك من الملك التام والسلطان الكامل كما سألتنا، فأعط من شئت واحرم من شئت، لا حساب عليك. أي مهما فعلت فهو جائز لك احكم بما شئت فهو صواب).

قلت: وهذا علم من الله سبحانه بأن سليمان إنما استقام في حكمه على منهج الوحي، وهو قد عصمه ألا يزيغ عنه، فليحكم بما شاء، ما دام هو يتابع في حكمه الحق والعدل. وقد روي عن الحسن قوله: (ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان عليه السلام، فإن الله تعالى يقول: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}).

قال الضحاك: (سأل ملكًا هنيئًا لا يحاسب به يوم القيامة، فقال: ما أعطيت وما أمسكت فلا حرج عليك).

التأويل الثاني: قيل بل هو إشارة لما أعطيه سليمان عليه السلام من قوة الجماع. فعَن قتادة قال: (الإشارة في قوله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا} إلى ما أعطيه من القوة على الجماع). وروى عكرمة عن ابن عباس قال: (كان سليمان في ظهره ماءُ مئة رجل، وكان له ثلاث مئة امرأة وتسع مئة سُرِّية {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. أي جامع من شئت من نسائك واترك جماع من شئت منهن لا حساب عليك). وذهب بعض أهل اللغة هنا إلى أن امْنُن من المنيّ يقال: أَمْنى ومَنَى، يُمني ويَمْني وهما لغتان.

التأويل الثالث: قيل بل المراد تسخيره له الشياطين. فقد روي عن قتادة قوله: (هؤلاء الشياطين احبس من شئت منهم في وثاقك وفي عذابك، أو سرّح من شئت منهم تتخذ عنده يدًا، اصنع ما شئت). فسخرهم له وترك له أمر العتق والتخلية أو الإمساك والوثاق.

قلت: لقد رضي الله سبحانه عن منهج سليمان في الحكم وإقامة العدل، وحبّه

<<  <  ج: ص:  >  >>