للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطموحه لرؤية منهج الوحي ودولته تهيمن على حياة الناس، فسخر له أسباب ذلك من الملك والجند وكثرة النساء والولد ليقيم أمر الجهاد في سبيل الله، وترك له حرية التصرف في هذا الملك العظيم، ثم هو يوم القيامة من أصحاب الحظ الجميل والوفير، قال جل وعزّ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أي في الآخرة قربة وحسن مرجع ومقام.

قال قتادة: ({وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} قال: أي مصير).

ولقد خُيِّر نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه بين أن يكون نبيًا ملكًا وبين أن يكون عبدًا رسولًا، فعمل بنصيحة جبريل عليه السلام واختار الثانية لرفعتها عند الله، وترك مقام الملك وما فيه من بهجة وزينة في الحياة الدنيا، يمنع من يشاء ويعطي من يشاء بلا حساب ولا جناح، ليربِّيَ بذلك الأمة على التواضع والتذلل لله والدعاء، فكم يفتن المال قلوبًا فتترك الإنابة والرجاء، وتنسى الدعاء ومن بيده المال والرزق والعطاء.

فقد أخرج ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد في مسنده عن أبي زُرعة عن أبي هريرة قال: [جلس جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملكُ ما نزل منذ خُلِق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربُّك: أمَلِكًا أجعلك أم عبدًا رسولًا؟ قال له جبريل: تواضع لربك يا محمد! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا بل عبدًا رسولًا] (١).

وأخرج ابن عساكر والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إنَّ هذا الدينار والدرهم أهلكا من قَبْلكم وهما مُهْلكاكم] (٢).

فإذا اجتمع العلم والتقوى مع المال والسلطان فنعم الخير ذلك، ولنعم القوة تلك.

ففي الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجلٌ آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويُعَلِّمُها] (٣).

وله شاهد في صحيح الإمام البخاري ومسند الإمام أحمد من طريق أبي هريرة


(١) حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (٢١٣٧)، وأحمد (٢/ ٢٣١)، وله شاهد عند البيهقي في "الزهد" (ق ٥٠ - ٥١). انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٠٠٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن عساكر (١٧/ ٢١٥/ ٢)، والطبراني في "المعجم الكبير" (رقم- ١٠٠٦٩) بنحوه، وكذلك أخرجه أحمد في "الزهد" (١٩٩). وانظر السلسلة الصحيحة (١٧٠٣).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٧١٤١) -كتاب الأحكام. ورواه مسلم (٨١٦) ح (٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>