للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حميدةً، وأبشري برَوْحٍ وريحانٍ، وربّ غير غضبان، فلا يزال يُقالُ لها ذلكَ حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها اللَّه تباركَ وتعالى. فإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفسُ الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمةً وأبشري بحميم وغسَّاقٍ، وآخرَ من شكله أزواج، فلا يزالُ يقال لها ذلكَ حتى تخرجَ، ثم يعرجُ بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقالُ: من هذا، فيقالُ: فلانٌ، فيقالُ: لا مرحبًا بالنفس الخبيثةِ، كانت في الجسدِ الخبيث، ارجعي ذميمةً، فإنَّها لا تفتّحُ لك أبواب السماء، فترسل من السماءِ، ثم تصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالحُ في قبره، غير فزعٍ ولا مَشعوف (١)، ثم يقال لهُ: فيمَ كنتَ؟ فيقول: كنتُ في الإسلام، قال: فيقالُ: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جاءنا بالبيناتِ من عند اللَّه فصدقناه، فيقال لهُ: هل رأيتَ اللَّه؟ فيقول: ما ينبغي لأحدٍ أن يرى اللَّه، فيفرج له فرجةٌ من قبل النار، فينظر إليها يحطِمُ بعضها بعضًا، فيقالُ له: انظر إلى ما وَقاكَ اللَّه تعالى، ثم يفرجُ له فرجةٌ قبلَ الجنةِ، فينظرُ إلى زهرتِها، وما فيها، فيقال له: هذا مقعدكَ، ويقال له على اليقينِ كنتَ، وعليه مُتّ، وعليهِ تبعث إن شاء اللَّه. ويجلسُ الرجلُ السوءُ في قبره فزعًا مشعُوفًا، فيقال لهُ: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعتُ الناس يقولون قولًا فقُلْتُهُ! فيُفرجُ لهُ فرجةٌ قبل الجنةِ، فينظرُ إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف اللَّه عنك، ثم يفرج له فرجةٌ إلى النار، فينظرُ إليها يحطمُ بعضها بعضًا فيقال: هذا مقعدكَ، على الشك كنتَ، وعليه متّ، وعليه تُبْعَثُ إن شاء اللَّه] (٢).

وأما إن اختلفا فيراد بالروح شيء وبالنفس شيءٌ ولكن بينهما صلة من النَسب، فالنفس مجموعة من الأحاسيس والمشاعر والرغبات والروح محرك لهذه الأحاسيس، فإذا خرجت الروح سكنت كل هذه الأحاسيس وصار الجسد كالخشب لا يتأثرُ بما حولهُ. فقوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف: ٢٣] وقوله فيها: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف: ٢٦] وقوله فيها: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣]، وكقوله في سورة المائدة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ. . .} [المائدة:


(١) الشعف: شدة الفزع الذي يذهب بالقلب.
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجه (٤٢٦٢) - كتاب الزهد - باب ذكر الموت والاستعداد له. وانظر صحيح سنن ابن ماجه (٣٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>