ناصركم، ومعطيكم حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة، وأكثر ما يخاف على مطيتها السَّرق] (١).
وجملة القول: أن الذين كذبوا وأشركوا سيتمنون يوم القيامة لو استطاعوا أن يفتدوا بكل ما يملكون وما كانوا يتنعمون به في الدنيا وما لا يملكون من دنيا غيرهم وأضعاف ذلكَ سوء المصير والفاجعة التي ستنزلُ بهم، كما قال في سورة الرعد:{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[الرعد: ١٨]. وكما جاء عن مجاهد:(عملوا أعمالًا توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات). وقال غيره:(عملوا أعمالًا توهموا أنهم يتوبون منها قبل الموت فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا وقد كانوا ظنوا أنهم ينجون بالتوبة. قال القرطبي: (ويجوز أن يكونوا توهموا أنه يغفر لهم من غير توبة فـ {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} من دخول النار. ثم ساق أثرًا عن سفيان الثوري في هذه الآية حيث قال: (ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم وقصتهم). وأثرًا عن عكرمة بن عمار حيث قال:(جزع محمد بن المنكدر عند موتهِ جزعًا شديدًا، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أخاف آية من كتاب اللَّه {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب)).
وقال ابن جرير:(ظهر لهم يومئذ من أمر اللَّه وعذابه، الذي كان أعدّه لهم ما لم يكونوا قبل ذلكَ يحتسبون أنه أعدّه لهم). وقال ابن كثير:(وأحاط بهم من العذاب ما كانوا يستهزئون به عند ذكره لهم في الدار الدنيا). وهو معنى الآية:{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}. قال الشوكاني:(أي مساوئ أعمالهم من الشرك وظلم أولياء اللَّه، و {مَا} يحتمل أن تكون مصدرية: أي سيئات كسبهم، وأن تكون موصولة: أي سيئات الذي كسبوه {حَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي أحاط بهم ونزل بهم ما كانوا يستهزئون به من الإنذار الذي كان ينذرهم به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ} الآية: قال: قست ونفرت {قُلُوبُ} هؤلاء الأربعة {الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} أبو جهل بن هشام والوليد بن عقبة وصفوان وأبيّ بن خلف {وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} اللات والعزى {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}).
(١) حديث حسن. أخرجه الترمذي في التفسير - سورة فاتحة الكتاب -. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٣٥٣)، في أثناء حديث طويل. وانظر صحيح الجامع (٨٠٠٣).