للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}] (١).

وكذلكَ فقد أخرج الحاكم والبزار ورجاله ثقات، عن عبد اللَّه بن عمر عن عمر قال: [كنا نقول ما لمفتَتِنٍ توبة وما اللَّهُ بقابل منه شيئًا، فلما قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة أنزل فيهم: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} والآيات بعدها. قال عمر: فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص. قال هشام بن العاص: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أُصَعِّدُ بها فيه وَأصَوِّبُ ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فَهِّمْنِيها. قال: فألقيَ في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا. قال: فرجعتُ إلى بعيري فجلست عليه فلحقتُ برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بالمدينة] (٢).

وجملة أقوال المفسرين في أسباب النزول تنحصر في ثلاثة أقوال:

القول الأول: إنها نزلت في قوم من أهل الشرك زنوا وقتلوا وظنوا أنه لا توبة.

فعن ابن عباس: ({قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}: وذلكَ أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أنه من عبد الأوثان ودعا مع اللَّه إلهًا آخر، وقتل النفس التي حرم اللَّه لم يغفر له، فكيف نهاجرُ ونسلم وقد عبدنا الآلهة وقتلنا النفس التي حرم اللَّه ونحن أهل الشرك فأنزل اللَّه: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}).

وعن مجاهد في قول اللَّه: {الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} قال: (قتل النفس في الجاهلية).

وقال قتادة: (ذكر لنا أن ناسًا أصابوا ذنوبًا عظامًا في الجاهلية فلما جاء الإسلام أشفقوا أن لا يُتابَ عليهم فدعاهم اللَّه بهذه الآية: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}).

وقال عطاء بن يسار: (نزلت هذه الآيات الثلاث بالمدينة في وحشي وأصحابه


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٨١٠)، ومسلم (١٢٢/ ١٩٣)، وأبو داود (٤٢٧٤)، والترمذي في السنن، والنسائي في "التفسير" (٤٦٩).
(٢) حديث صحيح. أخرجه محمد بن إسحاق، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي. وانظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" - الوادعي - سورة الزمر، الآيات (٥٣ - ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>