وقال السدي:(هؤلاء المشركون من أهل مكة، قالوا: كيفَ نجيبك وأنت تزعم أنه من زنى أو قتل أو أشرك بالرحمان كان هالكًا من أهل النار، فكل هذه الأعمال قد عملناها فأنزلت فيهم هذه الآية {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}).
قال الشوكاني في فتح القدير:(وأعلم أن هذه الآية أرجا آية في كتاب اللَّه سبحانه لاشتمالها على أعظم بشارة، فإنه أولًا أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي والاستكثار من الذنوب، ثم عقب ذلكَ بالنهي عن القنوط من الرحمةِ لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى وبفحوى الخطاب، ثم جاء بما لا يبقى بعدهُ شك ولا يتخالج القلب عند سماعه ظنّ، فقال:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} فالألف واللام قد صيرت الجمع الذي دخلت عليهِ للجنس الذي يستلزم استغراق أفراده. . ثم قال: ثم لم يكتف بما أخبر عباده به من مغفرة كل ذنب بل أكد ذلكَ بقوله: {جَمِيعًا} فيالها من بشارةٍ ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسنين ظنهم بربهم الصادقين في رجائه. الخالعين لثياب القنوط الرافضين لسوء الظن بمن لا يتعاظمه ذنب).
وقد ذكر ابن كثير كلامًا جميلًا في ذلكَ حيث قال:(إن اللَّه تعالى بفضله وكرمه ومنّه دعا الكفار جميعًا بلا استثناء إلى التوبة حتى الذي قال أنا ربكم الأعلى ولكنه لم يؤمن إلا في حين لا تنفعهُ توبة عند الاحتضار إذ قال له تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٩١]).
القول الثاني: قيل بل المراد أهل الإسلام، فنزلت في قوم صدهم المشركون عن الهجرة وفتنوهم فظنوا أنه لا توبة.
يروي ابن جرير عن نافع عن ابن عمر قال:(أنزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فُتِنُوا وعذّبوا فافتتنوا، كنَّا نقول: لا يقبل اللَّه من هؤلاء صرفًا ولا عدلًا أبدًا، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عُذِّبوه، فنزلت هذه الآيات وكان عمر بن الخطاب كاتبًا قال: فكتبها بيده ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، إلى أولئكَ النفر فأسلموا وهاجروا).
ثم ساق أثرًا عن ابن سيرين عن علي رضي اللَّهُ عَنْهُ وقد قال لأصحابه: (أي آية في