للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن أوسع؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١١٠] ونحوها، فقال علي: ما في القرآن أوسع من {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. . .} إلى آخر الآية).

القول الثالث: قيل بل نزلت في قوم يرون أهل الكبائر في النار فأعلمهم اللَّه أنه يغفر لمن يشاء.

فقد روي عن نافع عن ابن عمر قال: (كنا معشر أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نرى أو نقول: أنه ليسَ شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلت هذه الآية: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]. فلما نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر والفواحش. قال: فكنا إذا رأينا من أصاب منها قلنا: قد هلك، حتى نزلت هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ١١٦]. فلما نزلت هذه الآية كففنا عن القول في ذلك، فكنا إذا رأينا أحدًا أصاب منها شيئًا خفنا عليهِ وإن لم يصب منها شيئًا رجونا له) ذكره ابن جرير.

قال ابن عباس: (من آيس عباد اللَّه من التوبةِ بعد هذا فقد جحد كتاب اللَّه عز وجل).

وروى ابن أبي حاتم عن عبد اللَّه بن مسعود أنه قال لقاصٍّ يُذَكِّرُ الناس وَيُقَنِّطُهُم: (يا مُذَكِّر لم تُقَنِّط الناس من رحمة اللَّه؟ ثم قرأ: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}).

قلت: والراجح أن الآية عامة وإن كانت أسباب النزول قد جاءت فيمن كانوا قتلوا وزنوا وأكثروا من المشركين وظنوا أنه لا توبة، أو في قوم ما استطاعوا أن يهاجروا وفُتنوا وفَتنوا أنفسهم، كما قدمت في بداية ورود الآيات بحديث الصحيحين وحديث الحاكم، ولكن الآيات تبقى في حق كل من أسرف على نفسه بشرك وكفر ثم تاب واستغفر، أو بكبائر وفواحش ثم أقلع وأناب واستعتب، كما قال جل ثناؤه في حق المشركين من أهل الكتاب في سورة المائدة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٧٣ - ٧٤].

وكما قال جل وعز في حق المنافقين في سورة النساء: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>