للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: [لولا أنكم تُذنبون، لخلق اللَّه خلقًا يذنبون، فيستغفرون فيغفِرُ لهم] (١).

ورواه أحمد عنه، وفيه أنه قال حين حضرته الوفاة: [قد كنت كتمتُ شيئًا سمعتهُ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: لولا أنكم تذنبون لخلق اللَّه عز وجل قومًا يذنبون فيغفر لهم].

وروى البيهقي في "شعب الإيمان" بسند حسن عن أنس، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [لو لم تكونوا تُذنبون، لخِفْتُ عليكم ما هو أكبرُ من ذلكَ، العُجْبَ، العُجْب] (٢).

وروى الطبراني في "الكبير" بسند حسن عن أبي سعيد الأنصاري، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له] (٣).

وقوله: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}. قال ابن عباس: (لا تيأسوا من رحمة اللَّه).

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}. أي: حتى الشرك باللَّه إن تاب صاحبه قبل أن يغرغر، وأما إن لم يتب فقد توعده اللَّه بعدم المغفرة بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ١١٦]. ففيما عدا الشرك الذي لم يتب صاحبه وماتَ فأمره إلى اللَّه، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فإن عاقبه كان عدلًا منه سبحانه وإن غفر له وستر عليهِ كان ذلكَ رحمة منه فهو أرحم الراحمين.

قال ابن جرير: (إن اللَّه يستر على الذنوب كلها بعفوه من أهلها وتركه عقوبتهم عليها إذا تابوا منها {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} بهم، أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها).

وقوله: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ}. قال قتادة: (أي أقبلوا إلى ربكم). وقال السدي: (أجيبوا). وقال ابن زيد: (الإنابة الرجوع إلى الطاعة والنزوع عما كانوا عليه، ألا تراه يقول: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ} [الرعد: ٣١]). وقال القرطبي: (والإنابة الرجوع إلى اللَّه بالإخلاص).

وقوله: {وَأَسْلِمُوا لَهُ}. أي استسلموا لأمره ولجبروته فاخضعوا له معظمين مخبتين، وأقروا له بالطاعة والتواضع.

وقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ}. أي عذاب الدنيا وخزي الذل فيها {ثُمَّ لَا


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٧٤٨) - كتاب التوبة - باب سقوط الذنوب بالاستغفار والتوبة.
(٢) حديث حسن. أخرجه البيهقي، وابن عدي (١/ ١٦٤). وانظر: "الصحيحة" (٦٥٨).
(٣) حديث حسن. أخرجه الطبراني بسند حسن. انظر: صحيح الجامع الصغير -حديث رقم- (٦٦٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>