للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان المشركون دعوا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لعبادة الأصنام وقالوا هو دين آبائك، فسفههم اللَّه بقوله: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}. والاستفهام للإنكار التوبيخي، و"غيرَ" منصوب "بأعبد" وكأن التقدير: أفتأمروني أن أعبد غير اللَّه، كما يجوز نصب "غيرَ" بتأمروني، و"أعبد" بدل منه بدل اشتمال. والجمهور على قراءتها بإدغام نون الرفع في نون الوقاية "تأمروني".

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

هو كقوله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. قال مقاتل: (أي أوحى إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد، والتوحيد محذوف). وقال القرطبي: (وقيل: الخطاب له والمراد أمته، إذ قد علم اللَّه أنه لا يشرك ولا يقع منه إشراك. والإحباط الإبطال والفساد، قال القشيري: فمن ارتد لم تنفعه طاعاته السابقة ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة على الكفر، ولهذا قال: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فالمطلق ها هنا محمول على المقيد، ولهذا قلنا من حج ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لا يجب عليه إعادة الحج).

وهذا مذهب الشافعي، وأما مالك فتجب عنده الإعادة، والراجح أنها لا تجب، لما روى مسلم في صحيحه عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال أناس لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [يا رسول اللَّه! أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء أُخِذَ بعمله في الجاهلية والإسلام] (١).

وكذلك روى الإمام مسلم عن عروة بن الزبير: [أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أرأيت أمورًا كنت أتحنَّثُ بها في الجاهلية، من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أسلمتَ على ما أسلفت من خير] (٢). واللَّه تعالى أعلم.

فغاية القول: أن الشرك يذهب العمل، والخطاب وإن وجّه للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ففيه إقناط للكفرة وتضخيم لهذا الذنب العظيم الذي اقترفوه، وهو خطاب للأمة من باب أولى، ويعجبني ما ذكره العلامة القاسمي حيث قال: ("إنْ" تقتضي احتمال الوقوع. وهو هنا


(١) حديث صحيح. رواه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (١٢٠). كتاب الإيمان.
(٢) حديث صحيح. رواه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (١٢٣). كتاب الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>