للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال سعيد بن جبير: (يعني لمن حَقِّ الأمور التي أمر اللَّه بها). أي: لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناءٌ جميل.

والمعنى: ولمن صَبَرَ على الأذى وسَتَرَ السيئة، {وَغَفَرَ}: أي تَرَكَ الانتصار لوجه اللَّه تعالى، فإن ذلك من معالي الأمور ورفيع الأعمال التي يحبها اللَّه سبحانه ويجزي بها الأضعاف المضاعفة. وهذا فيمن ظلمه مسلم.

أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: [أنَّ رجلًا شتَم أبا بكر والنبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جالسٌ، فجعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْجَبُ ويَتَبَسَّم، فلما أكثر رَدّ عليه بعضَ قوله، فغضِبَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقام، فَلَحِقَهُ أبو بكر فقال: يا رسول اللَّه، إنه كانَ يشتُمني وأنت جالسٌ، فلما رددتُ عليه بعضَ قوله غَضِبْتَ وقُمْتَ! قال: إنه كان معك مَلَكٌ يَرُدُّ عنك، فلما رَدَدت عليه بعضَ قولِه حَضَرَ الشيطانُ، فلم أكُنْ لأقْعُدَ مع الشيطان. ثم قال: "يا أبا بكر، ثلاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ، ما من عبد ظُلِمَ بمظلمة فيُغْضِي عنها للَّه إلا أَعَزَّ اللَّه بها نَصْرَهُ، وما فَتَحَ رَجُلٌ باب عَطِيَّةٍ يُريد بها صلةً إلا زاده اللَّه بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرةً إلا زاده اللَّه بها قِلَّةً"] (١).

وفي مسند أحمد والبزار بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا: [ثلاثٌ أقسِمُ عليهن: ما نقَصَ مالٌ قطُّ من صَدَقة، فتصدّقوا، ولا عفا رجُلٌ عن مظلمةٍ ظُلِمَها إلا زاده اللَّه تعالى بها عِزًّا، فاعفُوِا يزدْكُم اللَّهُ عِزًّا، ولا فتحَ رجُلٌ على نفسه بابَ مسألةٍ يسألُ الناس إلا فتَحَ اللَّه عليه بابَ فقْر] (٢).

٤٤ - ٤٦. قوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا


(١) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٤٣٦)، وإسناده حسن لأجل ابن عجلان.
(٢) حديث صحيح. أخرجه ابن أبي الدنيا في "ذم الغضب". انظر تخريج الترغيب (٢/ ٨)، وأخرجه أحمد والبزار. انظر صحيح الجامع الصغير (٣٠٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>