للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقوبة على معاصيهم أيس من الخير، فالإنسان جحود لنعم اللَّه، يعدّد المصائب وينسى النعم.

قال ابن جرير: (وإنما قال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} فأخرج الهاء والميم مخرج كناية جمع الذكور، وقد ذكر الإنسان قبل ذلك بمعنى الواحد، لأنه بمعنى الجمع).

قلت: وإنما يَسْلَمُ من هذه الصفة المذمومة المؤمن، فإنه يحمد اللَّه في السراء والضراء، ويتذكر نعم اللَّه عليه في الرخاء والشدة.

ففي صحيح مسلم من حديث صهيب مرفوعًا: [عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرهُ كُلَّهُ له خَيْرٌ، وليسَ ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سَرَّاء شَكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صَبَرَ، فكان خيرًا له] (١).

وفي مسند أحمد وسنن الدارمي بإسناد على شرط مسلم عن صهيب قال: [بينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قاعد مع أصحابه إذ ضحك، فقال؟ ألا تسألوني مم أضحك؟ قال: عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يحب حمد اللَّه وكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن] (٢).

٤٩ - ٥٠. قوله تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)}.

في هذه الآيات: إثباتُ الملك كله للَّه وخلق الإناث والذكور، أو تنويعهم لبعض عباده وقد يجعل من يشاء عقيمًا إنه عليم قدير.

فقوله: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}. أي: هو سبحانه الخالق المالك المتصرف وحده في عوالم السماوات والأرض، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وما شاء أعطى، وما شاء منع.

وقوله: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}. قال مجاهد والحسن: (يهب


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٩٩٩) - كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير.
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٦/ ١٦)، والدارمي (٢/ ٣١٨)، وإسناده صحيح على شرط مسلم. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>