وتفصيل ذلك مع أدلته في كتابي:"منهج الوحيين في معالجة زلل النفس وتسلط الجن"، فلله الحمد والمنة.
وقوله:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}. فيه بيان من اللَّه سبحانه أن أكل لحم المؤمن بغيبته حيًّا، كأكل لحمه بعد مماته ميتًا. قال ابن عباس:(حرم اللَّه على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء، كما حرّم المَيْتَة). وقال قتادة:(كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدوّدة أن تأكل منها، فكذلك فاكره غيبته وهو حي).
أخرج الترمذي وابن حبان بسند حسن عن نافع، عن ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:[يا معشرَ من آمنَ بلسانه ولمْ يُفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عَوْراتِهم، فإنه من يَتَّبع عورات المسلمين يَتَّبع اللَّه عَوْرَته، ومن يَتَّبع اللَّه عَوْرَتَهَ يَفْضَحْهُ ولو في جوف رحْلِه. قال: ونظر ابن عُمر يومًا إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظمَ حرمتك، وللمؤمن أعظمُ حرمةً عند اللَّه منك](١).
وقوله:{وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}. أي: فاتقوا اللَّه في إخوانكم -معشر المسلمين- ولا تتبعوا العورات أو تتجسسوا، واللَّه يتوب على من تاب، ويرحم عباده المنيبين. قال ابن جرير:({إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}: إن اللَّه راجع لعبده إلى ما يحبه إذا رجع العبد لربه إلى ما يحبه منه، رحيم به بأن يعاقبه على ذنب أذنبه بعد توبته منه).
في هذه الآية: دعوة اللَّه عباده للتعارف وحفظ الأنساب وتبادل الخيرات والخبرات، وإنما التميز بالتقوى والحرص على الطاعات، واللَّه عليم بعباده خبير بمن استحق منهم رفع الدرجات.
فقوله:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}. يعني آدم وحواء. قال مجاهد:(خلق اللَّه الولد من ماء الرجل وماء المرأة، وقد قال تبارك وتعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}). والمقصود: أَنَّ أصولكم واحدة، من أبويكم آدم وحواء، أو من ماء ذكر من الرجال، وماء أنثى من النساء، فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب.
(١) حديث حسن. أخرجه الترمذي (٢٠٣٢)، وابن حبان (٥٧٦٣)، وإسناده حسن.