للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨)}.

في هذه الآيات: التمييز بين الإسلام والإيمان، فالمؤمنون هم الذين صدقوا اللَّه اليقين، وبرهنوا على صدقهم بالجهاد بالأموال والأنفس لحفظ وحراسة الدين، واللَّه تعالى له المَنُّ بالهداية على عباده المؤمنين، وهو المتفرد بعلم الغيب والبصير بأعمال العاملين.

فقوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}. إنكار على الأعراب ادّعاءهم مقام الإيمان أَوَّل ما دخلوا الإسلام. فإن الإيمان أخصّ من الإسلام -كما هو مذهب أهل السنة والجماعة-. وحقيقة الإيمان الإقرار بالقلب والتصديق بالعمل، وأما الإسلام فقبول ما أتى به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الظاهر.

وفي صحيح مسلم من حديث عمر -أن جبريل عليه السلام حين طلع بصورة رجل-[قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؛ فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعت إليه سبيلًا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له، يسأله ويصدّقه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن باللَّه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيرِهِ وشرِّه. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فان لم تكن تراه، فإنه يراك] الحديث (١).

فسأل جبريل عليه السلام عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان مترقيًا من الأعم إلى الأخص ثم للأخصّ منه.

وفي الصحيحين والمسند عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: [أعطى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجالًا ولم يُعْطِ رجلًا منهم شيئًا، فقال سعد: يا رسول اللَّه، أعطيتَ فلانًا وفلانًا ولم تُعْطِ فلانًا شيئًا، وهو مُؤْمنٌ؟ فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أو مُسْلِمٌ -حتى أعادها سعد ثلاثًا، والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: أو مسلمٌ- ثم قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إني لأعطي رجالًا وأدع مَن هو أحبُّ إليَّ منهم فلا أعطيه شيئًا مخافة أن يكُبّوا في النار على وُجوههم] (٢).

ففرّق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بين المسلم والمؤمن، مما يؤكد أن الإيمان أخصّ من الإسلام.

وهذا يدل مع الآية السابقة أن المقصود تأديب هؤلاء الأعراب الداخلين حديثًا في


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٨) - كتاب الإيمان. ح (١)، وانظر الحديث (٩).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٧)، ومسلم (١٥٠)، وأبو داود (٤٦٨٣)، وأحمد (١/ ١٦٧)، وأخرجه النسائي (٨/ ١٠٣ - ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>