للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحذرونهم. وقوله: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفروا للمشركين. وقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم] (١).

فقوله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ}. تنبيه اللَّه تعالى المؤمنين إلى التأسي بسيرة إبراهيم في البراء من الكفار. أي: فاقتدوا به معشر المؤمنين وائتموا بمنهاجه. قال ابن زيد: ({وَالَّذِينَ مَعَهُ} هم الأنبياء). وقيل: أصحاب إبراهيم من المؤمنين، وهو الأنسب للسياق.

فقوله: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ}. أي: الكفار. {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}. أي: من الأصنام والطواغيت.

وقوله: {كَفَرْنَا بِكُمْ}. أي بدينكم وطريقكم. {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا}. قال ابن كثير: (يعني: وقد شُرِعت العدواةُ والبغضاء من الآنِ بيننا وبينكم، ما دمتُم على كُفركم، فنحن أبدًا نتبرأ منكم ونبغِضُكُم).

وقوله: {حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. أي: حتى تفردوا اللَّه تعالى بالعبادة والتعظيم، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد والطواغيت.

وقوله: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}. قال ابن عباس: (نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفروا للمشركين). والمعنى: لكم فى إبراهيم والمؤمنين معه أسوة صالحة للتأسي بها، إلا في استغفار إبراهيم لأبيه، فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو للَّه تبرأ منه.

وفي التنزيل نحو ذلك، قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: ١١٣ - ١١٤].

وفي صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: [لما حضرتْ أبا طالب الوفاةُ، جاءه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجد عنده أبا جَهْلٍ وعبد اللَّه بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا عَمّ قُلْ لا إله إلا اللَّه، كلمة أشهدُ لك بها عند اللَّه. فقال


(١) حديث صحيح. رواه الحاكم على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. انظر: "الصحيح المسند من أسباب النزول" - الوادعي - سورة الممتحنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>