أبو جهل وعبدُ اللَّه بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغبُ عن مِلّةِ عبد المطلب؟ فلو يزل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعْرِضها عليه ويُعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلَّمهم: هو على مِلّةِ عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا اللَّه. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما واللَّه لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}] (١).
وقوله:{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}. هو من قيل إبراهيم والمؤمنين معه. أي: توكلنا عليك ربنا وسلمنا أمورنا لك، ورجعنا طائعين مخبتين تائبين راجين عفوك ومغفرتك، فإن مصيرنا إليك، ومرجعنا يوم نبعث من قبورنا إلى موقف العَرْض بين يديك.
وقوله:{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}. قال ابن عباس:(لا تسلطهم علينا فيفتنونا). وقال مجاهد: الا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا: لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا). وقال قتادة:(يقول: لا تُظْهِرهم علينا فَيَفْتَتِنُوا بذلك، يرون أنهم ظهروا علينا لحقّ هم عليه).
وقوله:{إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. أي: إنك أنت {الْعَزِيزُ} في انتقامك من أعدائك، والذي لا يُضام من لاذَ بجنابك. {الْحَكِيمُ} في تدبيرك شؤون خلقك، وفي أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك.
وقوله:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر}. تأكيد لما تقدم، وتهييج إلى التأسي الصادق بملة إبراهيم، ملة التوحيد والتعظيم، والولاء والبراء، عليه وعلى نبينا وسائر المرسلين أفضل الصلاة والتسليم، لمن كان يرجو لقاء اللَّه وثوابه والنجاة من عذابه يوم القيامة.
وقوله:{وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}. قال ابن عباس:({الْغَنِيُّ}: الذي قد كمل في غناه، وهو اللَّه، هذه صفته لا تنبغي إلا لَهُ، ليس له كُفء، وليس كمثله شيءٌ، سبحان اللَّه الواحد القهار). وقال ابن كثير:({الْحَمِيدُ}: المُستحمِدُ إلى خَلْقه، أي هو المحمود في جميع أفعاله وأقواله، لا إله غيرُه، ولا ربَّ سواه). والمعنى: إنه من يعرض عن أمر اللَّه ويدبر مستكبرًا، ويوالي أعداء اللَّه ويلقي إليهم بالمودة، فإن اللَّه غني
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١/ ٤٠) - كتاب الإيمان. باب: أول الإيمان قول لا إله إلا اللَّه.