للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصدِقتهن فانكحوهنّ. والمقصود: إقامة النكاح بشروطه الشرعية، من انقضاء العِدّة والولي والشاهِدَيْن ودفع المهور كما هو معلوم في شأن النكاح.

وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}. تحريم استمرار المؤمنين على نكاح المشركات. قال ابن هشام: (واحِدة العصم: عِصْمة، وهي الحبل والسبب). وأما الكوافر فجمع كافرة. قال مجاهد: (أصحاب محمد أُمروا بطلاق نسائهم كوافر بمكة، قعدن مع الكفار). وقال قتادة: (مشركات العرب اللاتي يأبين الإسلام أمِرَ أن يُخَلّى سبيلُهن). وقال ابن زيد: (إذا كفرت المرأة فلا تمسكوها، خلوها، وقعت الفرقة بينها وبين زوجها حين كفرت).

وفي صحيح البخاري من حديث المسور: [{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فطلق عمرُ يومئذ امرأتين كانتا له على الشرك] (١).

وقوله: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا}. قال ابن كثير: (أي: وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللاتي يَذْهَبْنَ إلى الكفّار، إن ذَهَبْنَ، وليطالِبُوا بما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجَرْن إلى المسلمين).

وقوله: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}. أي: هذا الذي ذُكر في هذه الآية من أمر الصلح واستثناء النساء بالشروط السابقة إنما هو حكم اللَّه يحكم به بين خلقه. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بما يصلح عباده {حَكِيمٌ} في شرعه وقدره وجميع أقواله وأفعاله.

وقوله: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}. قال الزهري: (يقول: إن فات أحدًا منكم أهلهُ إلى الكفار، ولم تأتكم امرأة تأخذون بها مثل الذي يأخذون منكم، فعوضوهم من فيءٍ إن أصبتموه). ذكره ابن إسحاق.

وعند ابن جرير بإسناده إلى ابن عباس قال: (يعني: إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار، أمر له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُعطى من الغنيمة مثل ما أنفق). قال مجاهد: (مهر مثلها يُدفع إلى زوجها).

والمقصود: لو ذهبت بعد هذه الآية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين فامتنعوا من دفع ما أنفق {فَعَاقَبْتُمْ} -يعني فاقتصصتم- فالقصاص يكون بإعطاء المؤمن الذي


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٧٣١)، (٢٧٣٢) - كتاب الشروط، وقد مضى بتمامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>