في هذه الآيات: بيانُ أفضل أنواع التجارة، إنه الإيمان والجهاد لنيل رضوان اللَّه والمغفرة، ونصره -تعالى- في الدنيا والفوز في الآخرة.
فقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. أي: تخلصكم من عذاب موجع في نار جهنم. قال قتادة:(فلولا أن اللَّه بَيَّنها، ودلَّ عليها المؤمنين، لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها، حتى يضنوا بها، وقد دلكم اللَّه عليها، وأعلمكم إياها فقال:{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. قال: الحمد للَّه الذي بَيَّنها).
وقد تقدم حَديث الإمام أحمد عن عبد اللَّه بن سلام قال:[تذاكرنا: أيّكم يأتي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَيَسْألَهُ: أيّ الأعمال أحبّ إلى اللَّه؟ فلم يقم أحدٌ منا، فأرسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلينا رجلًا، فجمعنا، فقرأ علينا هذه السورة، يعني سورة الصف كلها](١).
ومن ضمن هذه السورة هذه الدعوة إلى هذه الصفقة العظيمة من التجارة الرابحة: الإيمان والجهاد. فقال:{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إيمانًا يقينيًا لا يشوبه أدنى شك. فناداهم بـ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ثم دعاهم إلى الصدق في هذا الإيمان حتى تحصل النجاة ويكون الظفر بالصفقة الكبيرة. وهو كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ}[النساء: ١٣٦].
ثم عطف على الإيمان الجهاد في سبيل اللَّه بالأموال والأنفس. قال القرطبي:(ذكر الأموال أولًا لأنها التي يبدأ بها في الإنفاق).
وقوله:{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. قال القاسمي:(أي من أهل العلم. أو أنه خير). والمقصود: هذه التجارة التي ذكرت لكم في صدق الإيمان وفي الجهاد ببذل
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٥/ ٤٥٢) وإسناده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم.