للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأموال والأنفس، خير لكم من تجارة الدنيا، والكدِّ لها والتصدي لها وحدَها. فهو من باب إلهاب الحمية للطاعة، والاستثارة بلفظ "التجارة" للباعة، فإن اللَّه اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة.

وقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}.

قال ابن كثير: (أي: إن فعلتم ما أمرتكم به ودَلَلتُكُم عليه غَفَرتُ لكم الزّلات، وأدخلتكم الجنَّات، والمساكن الطيبات، والدرجات العاليات).

وقوله: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. قال ابن جرير: (يقول: ذلك النجاء العظيم من نكال الآخرة وأهوالها).

وقوله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا}. قال الفرّاء: ("أخْرى" معطوفة على {تِجَارَةٍ} فهي في محل خفض). والمقصود: وتجارة أخرى تحبون الظفر بأرباحها وجوائزها.

وقيل: بل محلها الرفع على الابتداء، والمعنى: أي: ولكم خصلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}. قلت: وكلا التأويلين يحتمله الإعجاز القرآني والبيان الإلهي.

وقوله: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}. قال القرطبي: (أي هو نصر من اللَّه، فـ {نَصْرٌ} على هذا تفسير {وَأُخْرَى}. وقيل: رفع على البدل من "أخْرى" أي ولكم نصر من اللَّه. {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أي غنيمة في عاجل الدنيا، وقيل فتح مكة. وقال ابن عباس: يريد فتح فارس والروم).

وقوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. أي بهذا النصر على عدوهم، والفتح العاجل لهم، وما يرافق ذلك من الرضا عنهم، ويعقبه نعيم الجنة عرّفها لهم.

١٤. قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (١٤)}.

في هذه الآية: تشجيعُ اللَّه المؤمنين على نصر دين اللَّه العظيم، كما نصر الحواريون عيسى بن مريم ومنهاج النبوة الكريم، وقد كتب اللَّه النصر والغلبة للصادقين المخبتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>